وقال الشوكاني في «نيل الأوطار»: رواه الطبراني عن ابن مسعود في الكبير والأوسط كما ذكره الهيثمي في «مجمع الزوائد» بل «جمع رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم بين الظهر والعصر وبين المغرب والعشاء، فقيل له في ذلك، فقال: صنعت ذلك لئلا تحرج أمتي»، مع أن ابن مسعود روى عنه مالك في «الموطأ» والبخاري وأبو داود والنسائي، أنه قال: «ما رأيت رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم صلّى صلاة لغير ميقاتها إلا صلاتين جمع بين المغرب والعشاء بالمزدلفة وصلّى الفجر يومئذ قبل ميقاتها»، فنفي ابن مسعود للجمع المذكور يدلّ على أن الجمع المروي عنه الجمع الصوري؛ لأن كلاًّ من الصلاتين في وقتها وإلا لكان قوله متناقضًا والجمع واجب متى ما أمكن.
وأما ابن عمر فقد روى عنه الجمع المذكور بالمدينة عبد الرزّاق كما قاله الشوكاني أيضًا مع أنه روى عنه ابن جرير أنه قال: «خرج علينا رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فكان يؤخر الظهر ويعجّل العصر فيجمع بينهما، ويؤخّر المغرب ويعجّل العشاء فيجمع بينهما»، قاله الشوكاني أيضًا، وهذا هو الجمع الصوري، فهذه الروايات معينة للمراد بلفظ جمع.
واعلم أن لفظة جمع فعل في سياق الإثبات، وقد قرر أئمة الأصول أن الفعل المثبت لا يكون عامًا في أقسامه.
قال ابن الحاجب في «مختصره الأصولي» في مبحث العام، ما نصّه: الفعل المثبت لا يكون عامًا في أقسامه مثل صلّى داخل الكعبة فلا يعم الفرض والنفل إلى أن قال: وكان يجمع بين الصلاتين لا يعم وقتيهما وأما تكرر الفعل فمستفاد من قول الراوي: كان يجمع كقولهم كان حاتم يكرم الضيف ... الخ.
قال شارحه العضد ما نصه: وإذا قال كان يجمع بين الصلاتين الظهر والعصر، والمغرب والعشاء فلا يعمّ جمعهما بالتقديم في وقت الأولى،
والتأخير في وقت الثانية، وعمومه في الزمان لا يدلّ عليه أيضًا، وربما توهم ذلك من قوله كان يفعل، فإنه يفهم منه التكرار، كما إذا قيل: كان حاتم يكرم الضيف وهو ليس مما ذكرناه في شىء؛ لأنه لا يفهم من الفعل، وهو يجمع. بل من قول الراوي، وهو كان، حتى لو قال: جمع لزال التوهم، انتهى محل الغرض منه بلفظه بحذف يسير لما لا حاجة إليه في المراد عندنا فقوله: حتى لو قال: جمع زال التوهم، يدلّ على أن قول ابن عباس في الحديث المذكور جمع لا يتوهم فيه العموم، وإذن فلا تتعين صورة من صور الجمع، إلا بدليل منفصل.
وقد قدمنا الدليل على أن المراد الجمع الصوري.
وقال صاحب «جمع الجوامع» عاطفًا على ما لا يفيد العموم ما نصه: والفعل المثبت، ونحو كان يجمع في السفر. قال شارحه صاحب «الضياء اللامع» ما نصّه: ونحو كان يجمع في السفر، أي: بين الظهر والعصر والمغرب والعشاء، لا عموم له أيضًا؛ لأنه فعل في سياق الثبوت فلا يعمّ جمعهما بالتقديم في وقت الأولى، والتأخير إلى وقت الثانية، بهذا فسر الرهوني كلام ابن الحاجب إلى أن قال: وإنما خصّ المصنف هذا الفعل الأخير بالذكر مع كونه فعلاً في سياق الثبوت؛ لأن في كان معنى زائد، وهو اقتضاؤها مع المضارع التكرار عرفًا فيتوهم منها العموم نحو كان حاتم يكرم الضيفان.
وبهذا صرح الفهري والرهوني وذكر ولي الدين عن الإمام في «المحصول» أنها لا تقتضي التكرار عرفًا ولا لغة.
قال ولي الدين والفعل في سياق الثبوت لا يعمّ كالنكرة المثبتة، إلا أن تكون في معرض الامتنان كقوله تعالى?: {وَأَنزَلْنَا مِنَ ?لسَّمَاء مَاء طَهُوراً}. اهـ. من «الضياء اللامع» لابن حلولو.
قال مقيده عفا اللَّه عنه وجه كون الفعل في سياق الثبوت لا يعمّ هو أن الفعل ينحلّ عند النحويين، وبعض البلاغيين عن مصدر وزمن وينحلّ عند جماعة من البلاغيين عن مصدر وزمن ونسبة، فالمصدر كامن في معناه إجماعًا، والمصدر الكامن فيه لم يتعرّف بمعّرف فهو نكرة في المعنى ومعلوم أن النكرة لا تعمّ في الإثبات وعلى هذا جماهير العلماء وما زعمه بعضهم من أن الجمع الصوري لم يرد في لسان الشارع ولا أهل عصره فهو مردود بما قدمنا عن ابن عباس عند النسائي وابن عمر عند عبد الرزاق، وبما رواه أبو داود وأحمد والترمذي وصححاه والشافعي وابن ماجه والدارقطني والحاكم من حديث حمنة بنت جحش رضي اللَّه عنها «أن النبيّ صلى الله عليه وسلم قال لها وهي مستحاضة، «
¥