3 - أن يغرب فقهاء الظاهرية باختيار قول لم يسبقهم إليه أحد من علماء المسلمين المعتبرين، سواء كان العلماء مجمعين على خلافه، أو لهم أقوال سوى قول الظاهرية، فهل يعتد بهذا القول، أم لا؟
فهذا هو محل النزاع، وهي الحالة التي يراد بحثها في هذا المبحث، وما عداها لا يخلو من أحد الأقسام الماضية، وهي خارجة عن محل البحث.
- - -
المبحث الثاني: سبب الخلاف في المسألة:
سبب خلاف العلماء في الاعتداد بخلاف الظاهرية فيما أغربوا فيه، هو أن من أعظم أصول الظاهرية التي شذوا بها عن باقي العلماء إنكار القياس، وعدم العمل به.
وقد نقل بعض العلماء الإجماع على إعمال القياس، فهل يكون الظاهرية بفعلهم هذا قد خالفوا الإجماع، وأنكروا ظواهر النصوص؟ فخرجوا عن أصول أهل السنة، فلا يعتد بخلافهم؛ كما لا يعتد بخلاف باقي الفرق الضالة، كالخوارج والإمامية، وغيرهم، وأنهم- على أقل تقدير في رأي البعض- بعدم عملهم بالقياس تركوا معلوما لدى أهل العلم، وطريقا من طرق الاستنباط المتفق عليها؛ فأشبهوا العوام فلا يعتد بخلافهم. . أم أنهم بفعلهم هذا لم يخالفوا جماعة المسلمين، ولا يعدو قولهم أن يكون من الاجتهاد السائغ بين المسلمين. وقد يكون سبب خلافهم هو المسألة الأصولية: (إذا أجمع المسلمون على أن في المسألة قولين، أو أكثر، فهل يجوز إحداث قول ثالث).
ولكن هذا في بعض المسائل، وليس كليا؛ لأنه توجد مسائل شذ الظاهرية بقول، ولا يعلم للمتقدم فيها رأي.
- - -
المبحث الثالث: خلاف أهل العلم في المسألة، وأدلتهم، والترجيح.
اختلف أهل العلم القائلون بالقياس - رحمهم الله- في هذه المسألة على أربعة أقوال:
القول الأول: أن خلافهم غير معتبر، وليس معتدا به مطلقا.
وهو منسوب لجمهور أهل العلم، حكاه أبو إسحاق الاسفرائيني (ت 316 هـ) عن جمهور أهل العلم، وذكر أبو العباس القرطبي (ت 656 هـ) أن جل الفقهاء والأصوليين على أنه لا يعتد بخلافهم. وقال النووي (ت 676 هـ): ((ومخالفة داود لا تقدح في الإجماع عند الجمهور))، وقال في موضع آخر: ((ومخالفة داود لا تضر في انعقاد الإجماع؛ على المختار الذي عليه المحققون والأكثر)).
وقال بدر الدين الزركشي (ت 794 هـ): ((ولم يعدهم المحققون من أحزاب الفقهاء. . . وأخرجوهم من أهل الحل والعقد)).
وحكاه ابن دقيق العيد (ت 702 هـ)، والصنعاني (ت 1182 هـ) عن بعض الناس.
وممن وقفت على قوله من أهل العلم موافقا لهذا القول، أبو الحسن الكرخي (ت 340 هـ)، وأبو بكر الجصاص الرازي (ت 370 هـ)، والحموي (ت 1098 هـ).، وابن عابدين (ت 1252 هـ) من الحنفية.
ومن المالكية: القاضي أبو بكر الباقلاني (ت 403 هـ)، وابن بطال (ت 449 هـ) (شرح صحيح البخاري، لابن بطال 1\ 352.)، والقاضي أبو بكر ابن العربي (ت 543هـ)، وأبو العباس القرطبي (ت 656 هـ) (المفهم لأبي العباس القرطبي 1\ 543.)، والدرديري (ت 1201 هـ) (بلغة السالك لأقرب المسالك، للدرديري 2\ 389.)، وعليش (ت 1299 هـ).
وبه قال من الشافعية أبو العباس بن سريج (ت 306 هـ) (انظر كتاب: (المحمدون من الشعراء للقفطي 2\ 427).، والأستاذ أبو إسحاق الاسفرائيني (ت 316 هـ)، وأبو علي بن أبي هريرة (ت 345 هـ)، والقاضي أبو الحسن المروزي (ت 462 هـ)، وأبو المعالي الجويني (ت 478 هـ) ((البرهان، للجويني 2\ 819 - في مبحث مسالك العلة -، وانظر: فيض القدير للمناوي 6\ 226))، وأبو حامد الغزالي (ت 505 هـ) (البحر المحيط 4\ 472، حاشية العطار على شرح جمع الجوامع 2\ 242).، وحكي عن النووي (ت 676 هـ) الجزم بعدم الاعتداد بقولهم، ورجح هذا القول صلاح الدين الصفدي (ت 826 هـ) (الوافي بالوفيات، للصفدي 13\ 475).، وولي الله العراقي (ت 826 هـ) (طرح التثريب شرح التقريب، لولي الله العراقي 2\ 37).، ونقله أبو منصور البغدادي (ت 429 هـ) عن طائفة من متأخري الشافعيين.
وقال به نجم الدين الطوفي (ت 716 هـ) من الحنابلة (التعيين في شرح الأربعين، للطوفي ص 244) ..
والحافظ أبو بكر ابن مفوز (ت 505 هـ) من علماء الحديث.
القول الثاني: أن خلافهم معتبر مطلقا.
¥