فالجواب: أجَلْ، في الفروع لا الأصول؛ فمالك رحمه فقيه المدينة، وما جمعه في الموطّأ كان فقه وحديث أهل المدينة؛ حيث ثبت أنه لم يروِ في موطّئه عن غير المدنيين إلا سبعة رجال هم: أبو الزبير المكي، وحميد الطويل وأبو أيوب السِّختياني البصريان، وعطاء بن عبد الله الخُراساني، وعبد الكريم بن مالك الجزري، وإبراهيم بن أبي عبلة الشامي.
ولقد حاول الخلفاء أن يجعلوا الموطّأ قانونا عاما يرجع إليه القضاة في أحكامهم؛ فخالفهم الإمام في ذلك وقال: إن أصحاب رسول الله اختلفوا في الفروع وتفرقوا في الآفاق، وكلٌّ عند نفسه مصيب.
إذن؛ فإذا تباعدت الأقطار عن محتِد الإيمان والدين جاز تأديب المبتدع وتعزيره على ما يرى الحاكم، وعلى هذا جرى أصحاب مالك كما سيظهر من كلامهم بعدُ.
ففي "بداية المجتهد" لابن رشد (2/ 376): "وأما حكم المحاربين على التأويل، فإن محاربهم الإمام؛ فإذا قدر على واحد منهم لم يقتل إلا إذا كانت الحرب قائمة؛ فإن مالكا قال: ((إن للإمام أن يقتله إن رأى ذلك لما يخاف من عونه لأصحابه على المسلمين))، وأما إذا أسر بعد انقضاء الحرب، فإن حكمه حكم البدعي الذي لا يدعو إلى بدعته، قيل: يستتاب فإن تاب وإلا قتل، وقيل: يستتاب فإن لم يتب يؤدب ولا يقتل".
ثم قال: "وأكثر أهل البدع إنما يكفرون بالمآل، واختلف قول مالك في التكفير بالمآل، ومعنى التكفير بالمآل: أنهم لا يصرحون بقول هو كفر، ولكن يصرحون بأقوال يلزم عنها الكفر وهم لا يعتقدون ذلك اللزوم" اهـ.
ويظهر من هذا الكلام المهم أن القائلين بتكفير الخوارج لم يريدوا به إلا التكفير بالمآل، والله أعلم.
وقال القاضي عياض (إكمال المعلم: 4/ 614): "واختلف قول مالك في هذا الأصل [أي في تكفير أهل البدع من عدمه]، وهذا الفرع [يعني الخوارج] " اهـ.
ونقل مثله عن مالك أبو حيان الأندلسي صاحب التفسير / الكامل للمبرد (3/ 1138 ح).
وذهب مالك وأصحابه إلى أنه لا يقتص منهم ولا يطالبون بما استحلوا من فروج وأتلفوا من أموال - أثناء الحرب - إذا فروا أو غُلبوا، وخالف أصبغ فقال يقتص منهم في القتل.
وقال مالك: لا يصلى على الإباضية ولا القدرية وسائر أصحاب الأهواء، ولا تتبع جنائزهم ولا تعاد مرضاهم / المغني (10/ 63).
ووجه ترك الصلاة عليهم أنهم لا يرون الصلاة على أهل السنة فلا يصلى عليهم، ولأنهم مرقوا من الدين فأشبهوا المرتدين.
ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[08 - 03 - 09, 08:33 م]ـ
حقيقة البغاة:
لغة: قال الفيروزآبادي: بَغَيْتُهُ أبْغيهِ بُغاء وبُغًى وبُغْيَةً بضَمِّهِنَّ، وبِغْيَةً بالكسر: طَلَبْتُهُ، كابْتَغَيْتُهُ وتَبَغَّيْتُهُ واسْتَبْغَيْتُهُ.
والباغِي: الطَّالِبُ، ج: بُغاةٌ وبُغيانٌ.
وبَغَى عليه يَبْغِي بَغْياً: عَلاَ وظَلَمَ، وعَدَلَ عن الحَقِّ، واسْتَطَالَ وكذَبَ.
ثم قال: وفِئَةٌ باغِيَةٌ: خارِجَةٌ عن طاعَةِ الإِمامِ العادِلِ.
وفي الصحيح: ((أوحي إلي أن تواضعوا حتى لا يبغي أحد على أحد، ولا يفخر أحد على أحد))، البغي هنا بمعنى الظلم.
اصطلاحا: هم الجماعة الذين يخرجون أو يسعون في الخروج على الحاكم أو السلطة التي ارتضاها أهل الحل والعقد من المسلمين ووافق عليها أكثرهم، ويرفضون هم الاعتراف بها، أو يمنعون حقا وجب عليهم بتأويل، ويستعملون السلاح في سبيل ذلك.
وهؤلاء لا يجوز قتالهم إلا بعد الاستماع إليهم ومحاورتهم للإصلاح، وإزالة ما يذكرون أنه مظالم إذا كانت واقعا له سند حقيقي، وهذا ما فعله علي مع الحرورية حين ابتعث لهم ابن عباس؛ أصله قوله تعالى: ?فأصلحوا بينهما?.
ويحسن هنا تحقيق معنى "البغي" الفقهي؛ فهو غير الحرابة، وغير الغيلة، وغير القتل العمد.
فـ "البغاة" لا بد أن تتوفر فيهم شروط أربعة (فقه السنة لسيد سابق: 2/ 602، المغني لابن قدامة: 10/ 42 بتصرف لا يخل بالمقصود):
1. الخروج عن طاعة الحاكم العادل التي أوجبها الله على المسلمين لأولياء أمورهم؛
¥