ـ[إبراهيم الجزائري]ــــــــ[08 - 03 - 09, 08:43 م]ـ
الإباضية بغاة:
نعم، ولهم على أهل السنة من الأحكام ما للبغاة، لكن يبقى النظر في جنس البغاة، هل كلهم نوع واحد أم يتفاضلون؟ الصحيح الثاني.
وجه التفاضل: فيما يدعو إليه الباغي؛ فإن دعا إلى حق كان باغيا ( ... )، وإن كان يدعو إلى بدعة سمي باغيا فاسقا؛ فإن كانت البدعة عقَدية كان باغيا فاسق عقيدة، وخالف في هذا أبو حنيفة إذ جعل كل باغٍ فاسقا ببغيه.
- وعليه يكون الوصف الفقهي الدقيق للإباضية أنهم: بغاةٌ فساقُ عقيدةٍ؛
- لكن سبق وأن قلنا إنّ مذهبهم سياسي ما استتروا ببدعهم، يعني إذا لم يدعوا إلى بدعهم ولم يظهروها كانوا بغاةً فحسب؛
- أما إذا أعلنوا صراحة التوبة والفيء إلى الجادة انتفى عنهم وصف البغي كليا وكانوا من أهل السنة.
فإن قيل: لم تسميهم بغاة وقد انقادوا للحاكم وأدّوا الحقوق التي عليهم؟
فالجواب: ما ذكرنا في تعريف البغاة مِن أنهم مَن خرجوا أو سعوا في الخروج، وهؤلاء الإباضية يعتقدون جواز الخروج على الحاكم فهم ساعون في ذلك.
فإن قيل: أنت تحتكم إلى الباطن وشرائع الإسلام تحتكم إلى الظاهر؟
فالجواب: بل حكمنا على الظاهر الطافحِ في كتبهم، يتوارثونه تعلّما وتعليما.
يستفاد من التفصيل أعلاه أنهم لو حرّموا الخروج على الحاكم لانتفى عنهم وصف البغي، وكانوا فساقا بحسب بدعهم.
ويستفاد أيضا أن المستتر ببدعته تجرى عليه أحكام الإسلام في الدنيا كواحد من أهل السنة وأمره إلى الله، قياسا على المنافق.
أما الفسّاق فلا تقبل شهادتهم ولا روايتهم، في حين البغاة دون فسق تقبل شهادتهم إن كانوا عدولا، قال في المغني (10/ 65): "ولا أعلم في قبول شهادتهم خلافا".
كذلك، يبنى على المسألة اعتبار خلافهم في الفقه أم لا؟ فإن كانوا فساقا لم يعتبر وإلا فيعتبر.
تتمة: حكم ما لو أظهر قوم رأي الخوارج دون خروج عن قبضة الحاكم:
وإذا أظهر قوم رأي الخوارج مثل تكفير من ارتكب كبيرة وترك الجماعة واستحلال دماء المسلمين وأموالهم، إلا أنهم لم يخرجوا عن قبضة الإمام ولم يسفكوا الدم الحرام، فإنه لا يحل بذلك قتلهم ولا قتالهم، وهذا قول أبي حنيفة والشافعي وجمهور أهل الفقه [وكثير أهل الحديث]، وروي ذلك عن عمر بن عبد العزيز، خلافا لمالك الذي يرى استتابتهم فإن تابوا وإلا قتلوا لا لأنهم كفار وإنما لإفسادهم في الدين.
وإن سبوا الحاكم أو غيره من أهل العدل عزروا لأنهم ارتكبوا محرماً لا حد فيه، وإن عرضوا بالسب فهل يعزرون؟ على وجهين.
وأما من رأى تكفيرهم فمقتضى قوله أنهم يستتابون فإن تابوا وإلا قتلوا لكفرهم كما يقتل المرتد، وقول الجمهور أصح وأرجح لِما تقدم بيانه من أنهم بغاة لا كفار.
قال القاضي عياض رحمه الله (4/ 614): "وأنهم ما لم يخرجوا ويخالفوا الجماعة، وأذعنوا لأحكام الجماعة وإمامهم حكمهم حكم غيرهم من المسلمين، تجري عليهم الحقوق على وجهها، ويستتابون ويشتد في عقوبتهم من أصر على بدعته منهم، على اختلاف بين العلماء في الاقتصار على هذا أو يقتلون؟ وأبى الشافعى من استتابة القدرية منهم، والخلاف فيه مبنى على الاختلاف في تكفير أهل البدع".