تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فالخلاف إذا بين الحنفية في القديم منحصر في (هل يعد تعيين المتعاقدين اصطلاحا يدفع به اصطلاح الكل على الثمنية؟) ومع ذلك فالمعتمد هو عدم إسقاط اصطلاح الكل على الثمنية. و أما إذا لم يعيّن المتعاقدان الفلوس و كانت رائجة فإنها يحرم فيها بيع الفلس بالفلسين، باتفاق أئمة هذا المذهب ـ رحمهم الله تعالى و رضي عنهم ـ فالحنفية هنا علقوا حرمة الربا في الفلوس بالاصطلاح على ثمنية هذه الفلوس و رواجها، و لم يعلقوا الحرمة على كونها موزونة، لأن الفلوس طالما استعملت كأثمان فهي عددية لا وزنية، و بذلك صرّح الكاساني في البدائع فقال:

(الفلس عددي، و العدد في العدديات ليس من أوصاف العلة) * 9

وكون العددية وصف لازم للفلوس حال الاصطلاح على ثمنيتها أمر مؤكد ومقرر لدى الحنفية، يؤيده ما ذهب إليه أبو حنيفة و أبو يوسف من أنه لو أسقط المتعاقدان الاصطلاح على الثمنية في حقهما فإن الفلوس لا تعود إلى أصلها ـ وهو كونها وزنية لكونها من النحاس مثلا ـ بل تظل عددية، ووجه ذلك أن الاصطلاح كان قائما على جعلها ثمنا، و جعلها عددا، فلما اصطلحا على إسقاط الثمنية، لم يلزم منه إسقاط العددية لعدم التلازم، و في ذلك يقول ابن الهمام:

(الاصطلاح كان على أمرين: الثمنية و العددية، و اصطلاحهما على إهدار ثمنيتها لا يستلزم إهدار العددية، فإنه لا تلازم بين عدم الثمنية و عدم العددية بعد ثبوت الثمنية مع عدم العددية كالنقدين، و العددية مع عدم الثمنية كالجوز و البيض) * 10

ولو كان جريان الربا في الفلوس لدى الحنفية لكونها موزونة لما كان لذكرهم الرواج و الاصطلاح على الثمنية أية فائدة، علاوة على مخالفته لصريح نصهم، كما نقلته آنفا عن الكاساني في بدائعه.

فالحاصل: لا يصح الاحتجاج على تحريم الحنفية لبيع الفلس بالفلسين بكون الفلوس وزنية، و ذلك لثبوت عددية الفلوس قبل و بعد إسقاط الثمنية، وإنما علّق الحنفية المنع من بيع الفلس بالفلسين على اصطلاح الناس على الثمنية لا على العددية. و الله تعالى أعلم.

ب ـ مدرسة الإمام مالك:

المعتمد لدى المالكية هو عدم جريان الربا في الفلوس، و ما يروى من خلاف ذلك فهو على غير المشهور.

جاء في المدونة:

(قال: و سألت مالكا عن الفلوس تباع بالدنانير أو بالدراهم نظرة، أو تباع الفلس بالفلسين. فقال مالك: أكره ذلك و لا أراه مثل الذهب والورق في الكراهة) *11

وقال الدسوقي في حاشيته على الشرح الكبير:

(وَاخْتُلِفَ في عِلَّةِ الرِّبَا في النُّقُودِ فَقِيلَ غَلَبَةُ الثَّمَنِيَّةِ وَقِيلَ مُطْلَقُ الثَّمَنِيَّةِ وَعَلَى الْأَوَّلِ تَخْرُجُ الْفُلُوسُ الْجُدُدُ فَلَا يَدْخُلُهَا الرِّبَا وَيَدْخُلُهَا على الثَّانِي وَإِنَّمَا كانت عِلَّةُ الرِّبَا في النُّقُودِ ما ذُكِرَ لِأَنَّا لو لم نَمْنَعْ الرِّبَا فيها لَأَدَّى ذلك إلَى قِلَّتِهَا فَيَتَضَرَّرُ بها الناس كما قَالَهُ اللَّقَانِيُّ وَحُمِلَ قَوْلُ مَالِكٍ في الْفُلُوسِ على الْكَرَاهَةِ لِلتَّوَسُّطِ بين الدَّلِيلَيْنِ كما قَالَهُ خَلِيلٌ في تَوْضِيحِهِ) * 12

وقال العدوي في حاشيته على الخرشي:

(و اختلف على أنه معلل هل علته غلبة الثمنية وهو المشهور، وقوله: أو مطلق الثمنية، وهو خلاف المشهور، وقوله فتخرج على الأول إلخ، إلا أن جلّ قول مالك فيها الكراهة، للتوسط بين الدليل، و هي محمولة على بابها لا على الحرمة عند الجمهور) *13

و على خلاف المشهور الدارج يجري الربا في الفلوس لدى المالكية، و هذا الخلاف مبني على الخلاف في علة الربا لديهم، هل (غلبة الثمنية) أم (مطلق الثمنية)، فالمعتمد المشهور هو التعليل بغلبة الثمنية، كما سبق نقله عن حاشية العدوي، فكانت الفلوس لدى المالكية لا يجري فيها حكم الربا لعدم وجود هذه العلة بها وهو (غلبة الثمنية) و إنما توفرت في الفلوس صفة (الثمنية المطلقة) والتعليل بها على خلاف المشهور، فلم يجر الربا في الفلوس. و الله تعالى أعلم

جـ ـ مدرسة الإمام الشافعي:

المعتمد لدى الشافعية أنه لا ربا في الفلوس، و ذلك يفهم ضرورة من تعليلهم حرمة الربا في النقدين بغلبة الثمنية ـ تماما كما هو المعتمد في مدرسة المالكية ـ

قال شمس الدين الرملي:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير