تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

الفلوس جمع (فلس)، و قد تكون هذه الكلمة مشتقة من الكلمة اليونانية (فوليس follies ) ، و هي كل ما يتعامل به من النقود الزهيدة القيمة، الرخيصة المعدن ـ كالنحاس مثلا ـ *2، و لا يلزم أن تكون مصنوعة من النحاس، إلا أن هذا هو الغالب فيها، و قد نشأت هذه الفلوس نظرا لاحتياج الناس إلى تقييم الأشياء التي يصعب تقييمها بالذهب و الفضة، و ذلك نظرا لشدة رخص هذه الأشياء، و ارتفاع قيمتي الذهب و الفضة على خفة وزنهما، فصعب تقييم هذه الأشياء الرخيصة بالذهب و الفضة، فكانت الفلوس المصنوعة من المعادن الرخيصة لتكون قيما لهذه الأشياء. و كون هذه الفلوس تستعمل كأثمان للأشياء فإن هذا يكون باصطلاح الناس على جعلها ثمنا، و أما إذا كسدت هذه الفلوس ـ أي ترك التعامل بها في جميع البلدان ـ فإنها تعود سلعة من السلع تعامل معاملة العروض. و ليعلم أن هذه المقدمة في النقود هي أهم المقدمات لهذا البحث، ضرورة كون نتائجها تنبني عليها جل مواد سائر المباحث.

و نشرع الآن في بيان المقصود الأهم من هذه المقدمة، ألا وهو حكم الفلوس لدى علماء المذاهب الأربعة من حيث جريان الربا فيها أو عدم جريانه. فالله تعالى الموفق.

أ ـ مدرسة الإمام أبي حنيفة:

يذهب الحنفية إلى أنه ما دامت الفلوس تستعمل كثمن ـ أي كانت رائجة ـ فإنه لا يجوز فيها بيع الفلس بالفلسين، و هذا محل اتفاق بين أئمة الحنفية، فالفلوس عندهم ما دامت رائجة فهي أثمان، فلا تتعين بالتعيين، فيحرم فيها الفلس بالفلسين، لكون التعيين عندهم يخالف الثمنية، فالتعيين يكون في السلع لا في الأثمان.

و مصدر ثمنيتها هو الاصطلاح.

قال ابن عابدين:

(اعلم أنه إذا اشترى بالدراهم التي غلب غشها أو بالفلوس، و كان كل منهما نافقا حتى جاز البيع لقيام الاصطلاح على الثمنية) *3

و قال:

(و يدل عليه تعليلهم لقول أبي حنيفة بعد حكايتهم الخلاف بأن الثمنية بطلت بالكساد لأن الدراهم التي غلب غشها إنما جعلت ثمنا بالاصطلاح، فإذا ترك الناس المعاملة بها سقط الاصطلاح فلم تبق ثمنا) * 4

الحاصل: الفلوس الرائجة التي اصطلح الناس على جعلها أثمانا للأشياء لا يجوز فيها الربا، فلا يجوز فيها بيع فلس بفلسين، و هذا باتفاق أئمة هذا المذهب. فليحفظ.

و لكن ثمّ خلاف قديم وقع بين أبي حنيفة و أبي يوسف من جهة، و محمد من جهة أخرى، فذهب أبو حنيفة و أبو يوسف إلى أنه لو تم تعيين الفلوس المتبادلة، فهنا يعد هذا التعيين إسقاطا للثمنية عندهما، لأن المتعاقدين قد اصطلحا على إبطال الثمنية بذلك التعيين و لا يلزمهما اصطلاح الناس لعدم ولاية الغير عليهما، و ذهب محمد ـ وهو المعتمد ـ إلى أنها لا تتعين بالتعيين، لكون ثمنيتها ثبتت باصطلاح الجميع ـ كالدنانير و الدراهم ـ فلا يقوى تعيين المتعاقدين لأن يكون اصطلاحا يدفع به اصطلاح الجميع على ثمنية الفلوس.

و في ذلك يقول ابن عابدين في معرض كلامه على جواز شركة المفاوضة و شركة العنان بالفلوس الرائجة:

(و الجواز بها هو الصحيح لأنها أثمان باصطلاح الكل، فلا تبطل ما لم يصطلح على ضده) * 5

و قال الزيلعي:

(و الأصح أنها تجوز في الفلوس عندهما، لأنها أثمان باصطلاح الكل، فلا تبطل ما لم يصطلح على ضده) * 6

و قال ابن الهمام:

(ولذا قال الإسبيجابي: الصحيح أن عقد الشركة على الفلوس يجوز على قول الكل، لأنها صارت ثمنا باصطلاح الناس، و لهذا لو اشترى شيئا بفلوس بعينها لم تتعين تلك الفلوس، حتى لا يفسد العقد بهلاكها) * 7

ثم قال:

(و على ما ذكره من مبسوط الإسبيجابي يجب أن يكون قول الكل الآن على جواز الشركة و المضاربة بالفلوس النافقة، و عدم التعيين، و على منع بيع فلس بفلسين) * 8

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير