تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قال الإمام النووي: "فيه الزجر عن اللعن، وأن من تخلق به لا يكون فيه هذه الصفات الجميلة، لأن اللعنة في الدعاء يراد بها الإبعاد من رحمة الله تعالى وليس الدعاء بهذا من أخلاق المؤمنين الذين وصفهم الله تعالى بالرحمة بينهم، والتعاون على البر والتقوى، وجعلهم كالبنيان يشد بعضه بعضاً، وكالجسد الواحد، وأن المؤمن يحب لأخيه ما يحب لنفسه، فمن دعا على أخيه المسلم باللعنة، وهي الإبعاد من رحمة الله تعالى فهو في نهاية المقاطعة والتدابر- إلى أن قال-: هذا الذم في الحديث إنما هو لمن كثر منه اللعن لا لمرة واحدة ونحوها، ولأنه يخرج منه أيضاً اللعن المباح، وهو الذي ورد الشرع به ... " ([15] (16)). وقد نهى النبي r عن التلاعن بلعنة الله فقال: "لا تلاعنوا بلعنة الله ولا بغضبه ولا بالنار" ([16] (17))، ومن شدة قبح التلاعن بين المسلمين أن جعل النبي r لعن المؤمن كقتله كما في الحديث: "ومن لعن مؤمناً فهو كقتله" ([17] (18)). ومعناه "أنهما سواء في أصل التحريم، وإن كان القتل أغلظ" ([18] (19)).

وقال النووي: "لأن القائل يقطعه عن منافع الدنيا وهذا يقطعه عن نعيم الآخرة، ورحمة الله تعالى، وقيل معنى لعن المؤمن كقتله في الإثم، وهذا أظهر" ([19] (20)).

وقال الحافظ ابن حجر في معناه: "أي لأنه إذا لعنه فكأنه دعا عليه بالهلاك" ([20] (21)). ومن خطورة اللعن بغير حق أن اللعنة ترجع على قائلها، ويبوء بإثمها، ويصير في عداد الفاسقين كما في الحديث الذي يقول فيه الرسول r: " سباب المسلم فسوق، وقتاله كفر" ([21] (22)).

وفي الحديث الآخر: "لا يرمي رجل رجلاً بالفسوق، ولا يرميه بالكفر، إلا ارتدت عليه، إن لم يكن صاحبه كذلك" ([22] (23)).

وفي حديث ابن عباس –رضي الله عنهما- أن رسول الله r قال: "وإنه من لعن شيئاً ليس له بأهل رجعت اللعنة عليه" ([23] (24)).

ومن تربية النبي r العملية لأمته في تحذيرهم من إطلاق اللعن بغير حق حتى ولو كان في حق الدواب ما رواه عمران بن حصين قال: بينما رسول الله r في بعض أسفاره، وامرأة من الأنصار على ناقة، فضجرت فلعنتها، فسمع ذلك رسول الله r فقال: "خذوا ما عليها ودعوها، فإنها ملعونة".

قال عمران: فكأني أراها الآن تمشي في الناس، ما يعرض لها أحد ([24] (25)).

قال النووي: "إنما قال هذا زجراً لها ولغيرها، وكان قد سبق نهيها ونهي غيرها عن اللعن، فعوقبت بإرسال الناقة والمراد النهي عن مصاحبته لتلك الناقة في الطريق" ([25] (26)).

ومما سبق يتبين لنا خطورة إطلاق اللسان باللعن بغير حق وبغير علم، وأن ذلك سبب للوقوع في الإثم والاتصاف بصفات الفاسقين، والحرمان من صفات الصديقين والصالحين، كما قال r: " لا ينبغي لصديق أن يكون لعاناً" ([26] (27)) كما تبين أن اللعانين لا يكونون شفعاء ولا شهداء يوم القيامة، وكل ذلك زاجر لأهل الإيمان عن إطلاق ألسنتهم بهذا الخلق المشين، أو الاتصاف بهذا الوصف القبيح.

ثالثاً: اللعن المخرج من الملة:

هناك أنواع من اللعن تخرج صاحبها من الملة ومن ذلك:

لعن الله – سبحانه وتعالى – أو أحد من ملائكته ورسله أو دينه، فهذا كله موجب لردة صاحبه وكفره، ومن أدلة ذلك:

قول الله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ يُؤْذُونَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ وَأَعَدَّ لَهُمْ عَذَابًا مُّهِينًا} (الأحزاب، الآية 57).

وقال تعالى: {وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ رَسُولَ اللّهِ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ} (التوبة، الآية 61).

ومعلوم أن اللعن من أعظم الإيذاء والسب.

قال القاضي عياض: "لا خلاف أن ساب الله تعالى من المسلمين كافر حلال الدم" ([27] (28)).

وقال شيخ الإسلام ابن تيمية فيمن سب الله تعالى: فإن كان مسلماً وجب قتله بالإجماع لأنه بذلك كافر مرتد، وأسوأ من الكافر ([28] (29)).

وقال ابن قدامة: "من سب الله تعالى كفر، سواء كان مازحاً أو جاداً" ([29] (30)).

وأما سب نبينا محمد r فقد قال الإمام أحمد: "كل من شتم النبي r أو انتقصه – مسلماً كان أو كافراً – فعليه القتل ([30] (31)).

وقال ابن المنذر: "أجمع عوام أهل العلم على أن حد من سب النبي r القتل".

وقال إسحاق بن راهوية: "أجمع المسلمون على أن من سب الله أو سب رسوله r .. أنه كافر بذلك، وإن كان مقراً بكل ما أنزل الله" ([31] (32)).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير