تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فدعوة نوح - u- كانت بعد علمه بعدم إيمانهم، أو بعد يأسه من إيمانهم، وظهور عنادهم واستكبارهم واستعجالهم العذاب ففي الدعاء عليهم والحالة هذه انتصار منهم، وعظة لمن بعدهم، وإنذار وتحذير للمستكبرين بحلول العقوبة بالمخالفين، والانتقام من المعاندين.

ويقرب من دعوة نوح - u- دعوة موسى - u- على فرعون وملئه كما ذكر الله تعالى ذلك بقوله: {وَقَالَ مُوسَى رَبَّنَا إِنَّكَ آتَيْتَ فِرْعَوْنَ وَمَلأهُ زِينَةً وَأَمْوَالاً فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا رَبَّنَا لِيُضِلُّواْ عَن سَبِيلِكَ رَبَّنَا اطْمِسْ عَلَى أَمْوَالِهِمْ وَاشْدُدْ عَلَى قُلُوبِهِمْ فَلاَ يُؤْمِنُواْ حَتَّى يَرَوُاْ الْعَذَابَ الأَلِيمَ} (يونس: 88).

قال الحافظ بن كثير: "هذا إخبار من الله تعالى عما دعا به موسى عليه السلام على فرعون وملئه لما أبوا قبول الحق واستمروا على ضلالهم وكفرهم معاندين جاحدين ظلماً وعلواً وتكبراً وعتواً ...

وهذه الدعوة كانت من موسى - عليه السلام- غضباً لله ولدينه على فرعون وملئه الذين تبين له أنهم لا خير فيهم، ولا يجيء منهم شيء كما دعا نوح عليه السلام .... " ([47] (48)).

وقال القرطبي: "استشكل بعض الناس هذه الآية فقال: كيف دعا عليهم وحكم الرسل استدعاء إيمان قومهم، فالجواب أنه لا يجوز أن يدعو نبي على قومه إلا بإذن من الله، وإعلام أنه ليس فيهم من يؤمن ولا يخرج من أصلابهم من يؤمن، دليله قول نوح - u-" { وَأُوحِيَ إِلَى نُوحٍ أَنَّهُ لَن يُؤْمِنَ مِن قَوْمِكَ إِلاَّ مَن قَدْ آمَنَ} (هود من الآية: 36)، وعند ذلك قال: {وَقَالَ نُوحٌ رَّبِّ لَا تَذَرْ عَلَى الْأَرْضِ مِنَ الْكَافِرِينَ دَيَّارًا} ([48] (49))

(نوح من الآية: 26).

وأما نبينا محمد r فبتأمل سيرته وأحواله نجد أنه لم يدع على الكفار عموماً، وإنما جاء عنه الدعاء على بعضهم لأسباب معينة.

فقد دعا على الأحزاب وعلى المشركين وعلى مضر وعلى قريش كما روى البخاري بسنده عن ابن أبي أوفى - رضي الله عنهما- قال: دعا رسول الله r على الأحزاب فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اهزم الأحزاب وزلزلهم" ([49] (50)).

وفي رواية: دعا رسول الله r يوم الأحزاب على المشركين فقال: "اللهم منزل الكتاب، سريع الحساب، اللهم اهزم الأحزاب، اللهم اهزمهم وزلزلهم" ([50] (51)).

وفي رواية أنه دعاء عليهم بقوله: "ملأ الله بيوتهم وقبورهم ناراً، شغلونا عن صلاة الوسطى" ([51] (52)).

وفي حديث أبي هريرة t في دعاء قنوت النبي r في صلاة العشاء وفيه: "اللهم اشدد وطأتك على مضر، اللهم اجعلها عليهم سنين كسنين يوسف" ([52] (53)).

وفي حديث ابن مسعود t أن رسول الله r لما آذته قريش دعا عليهم فقال: "اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش، اللهم عليك بقريش" ([53] (54)).

قال ابن العربي المالكي: "ودعا النبي r على من تحزب على المؤمنين وألب عليهم، وكان هذا أصلاً في الدعاء على الكفار في الجملة" ([54] (55)).

وعلق النووي على الحديث الذي فيه دعاء النبي r بنقل حمى المدينة إلى الجحفة ([55] (56)) فقال: "فيه دليل للدعاء على الكفار بالأمراض والأسقام والهلاك" ([56] (57)).

ومما سبق يمكن أن نلحظ ما يلي:

(1) أن الرسول r لم يدع على الكفار دعوة عامة تشمل جميعهم.

(2) أن الرسول r دعا على بعض أصناف أو طوائف أو قبائل من الكفار لأسباب معينة كفعلهم لمحرم أو صدهم عن واجب أو أذيتهم للمؤمنين.

(3) أن عامة الدعاء على الكافرين المنقول عن الرسول r إنما كان لكف شرهم وإزالة بأسهم، وكسر شوكتهم، وتعذيبهم بما يردعهم، ولم يظهر من دعواته r رغبته في بقائهم على الكفر، وموتهم عليه.

(4) أنه لم ينقل عنه r دعاء على الكافرين المسالمين لمجرد كفرهم.

(5) أنه r امتنع من الدعاء على بعض المشركين كما في حديث أبي هريرة t قال: قيل يا رسول الله: ادع على المشركين، قال: "إني لم أُبعث لعاناً، وإنما بعثت رحمة" ([57] (58)). بل إنه في بعض الأحوال كان يدعو لهم ليتألفهم كما روى البخاري عن أبي هريرة t: قدم الطفيل بن عمرو الدوسي وأصحابه على النبي r فقالوا: يا رسول الله إن دوساً عصت وأبت، فادع الله عليها، فقيل: هلكت دوس، قال: "اللهم اهد دوساً وائت بهم" ([58] (59)).

وقد ترجم البخاري لهذا الحديث بقوله: "باب الدعاء للمشركين بالهدى ليتألفهم".

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير