تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وعلق الحافظ بن حجر على ترجمة البخاري وقوله: "ليتألفهم" بأن هذا من فقهه وأنه أشار إلى "الفرق بين المقامين، وأنه r كان تارة يدعو عليهم، وتارة يدعو لهم، فالحالة الأولى حيث تشتد شوكتهم، ويكثر أذاهم ... والحالة الثانية حيث تؤمن غائلتهم، ويرجى تألفهم كما في قصة دوس" ([59] (60)).

وقال الحافظ بن حجر في موطن آخر: "وحكى ابن بطال أن الدعاء للمشركين ناسخ للدعاء على المشركين، ودليله قوله تعالى: {لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ} (آل عمران:) قال: والأكثر على ألا نسخ، وأن الدعاء على المشركين جائز، وإنما النهي عن ذلك في حق من يرجى تألفهم ودخولهم في الإسلام، ويحتمل في التوفيق بينهما أن الجواز حيث يكون في الدعاء ما يقتضي زجرهم عن تماديهم على الكفر والمنع حيث يقع الدعاء عليهم بالهلاك على كفرهم" ([60] (61)).

وبناء على هذا فإنه يمكن أن يقال بأن لعن طائفة من الكفار الأحياء أو صنف منهم على معنى الدعاء عليهم باللعن لا يخلو من حالين:

الحال الأولى: جواز اللعن: على معنى الدعاء عليهم بما يزيل بأسهم ويمحق قوتهم، ويكف شرهم، ويذيقهم من العذاب ما يشغلهم به عن أذية المسلمين وعن التطاول على الدين، ويوقعهم في الذل والصغار، فهذا جائز في حق من طغى وبغى، واستكبر واعتدى، ولعن هؤلاء داخل في الانتصار للدين ولعباد الله المؤمنين، وهذا المعنى ظاهر فيما سبق نقله عن عمر بن الخطاب t حيث كان يلعن في قنوته الكفار الذين يصدون عن سبيل الله ويدعو عليهم، وعلى هذا المعنى يحمل ما جاء عن أبي هريرة t وغيره من لعن الكفار، ويشهد لذلك حديث أنس بن مالك t أن النبي r قنت شهراً يلعن رعلا وذكوان وعصيه ([61] (62)).

وفي رواية: "قنت شهراً يدعو على أحياء من العرب ثم تركه" ([62] (63)).

قال النووي: "فيه جواز لعن الكفار وطائفة معينة منهم" ([63] (64)).

والحال الثانية: عدم اللعن: وهذا في حق المسالمين، ومن يُسعى في تأليفه وترجى هدايته، فهؤلاء لا يلعنون لما في لعنهم من استعدائهم، ونفورهم ولعدم المصلحة من ذلك، ويدل لذلك حديث: "اللهم اهد دوسا"، وحديث: "إني لم أبعث لعانا" وحديث: "أسلم سالمها الله" ([64] (65)). فالدعاء يكون على العتاة والظلمة الأشرار والمستكبرين والمعاندين للحق دون المسالمين.

قال الحافظ ابن حجر: "إن الدعاء على المشركين بالقحط ينبغي أن يخص بمن كان محارباً دون من كان مسالماً" ([65] (66)).


(1) هذا البحث جزء من كتاب مطبوع بعنوان "أحكام لعن الكافرين وعصاة المسلمين- دراسة عقدية" لفضيلة الشيخ د. سليمان الغصن. طبع دار كنوز إشبيلية بالرياض. وسيليه نشر بقية المباحث تباعاً بإذن الله تعالى.
(2) الصحاح للجوهري مادة لعن (6/ 2186). وانظر ترتيب القاموس (4/ 151).
(3) لسان اللسان مادة "لعن" (2/ 509) باختصار.
(4) النهاية في غريب الحديث لابن الأثير (4/ 220).
(5) فتح الباري (10/ 571).
(6) تيسير العزيز الحميد (ص190).
(7) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب لا يسب الرجل والديه برقم (5973).
(8) انظر لسان اللسان (1/ 568، 652) مادة "سبب" و"شتم" وترتيب القاموس (2/ 672).
(9) انظر القول المفيد على كتاب التوحيد (1/ 226).
(10) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6613).
(11) رواه البخاري في كتاب الرقاق، باب في الحوض، برقم (6583، 6584)، وانظر ذم الكلام للهروي (ص284 - 289).
(12) انظر فتح الباري (12/ 89).
(13) انظر لسان اللسان (1/ 509) مادة "لعن" والصحاح (6/ 2196) مادة "لعن".
(14) رواه أحمد (1/ 416) والترمذي في أبواب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة برقم (1977) وحسنه، وصححه الألباني كما في صحيح الترمذي (2/ 189).
(15) رواه مسلم في كتاب البر والصلة برقم (6610).
(16) شرح مسلم للنووي (16/ 114 - 115) باختصار.
(17) رواه الترمذي في كتاب البر والصلة، باب ما جاء في اللعنة برقم (1976) وقال حديث حسن صحيح.
(18) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب ما ينهى عن السباب واللعن برقم (6047).
(19) شرح مسلم للنووي (1/ 294).
(20) شرح مسلم للنووي (16/ 114).
(21) فتح الباري (10/ 572).
(22) رواه البخاري في صحيحه، كتاب الأدب باب ما ينهى عن السباب واللعن برقم (6044)، ومسلم في كتاب الإيمان برقم (221).
¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير