[مسألة من الأمر]
ـ[الدكتور صالح محمد النعيمي]ــــــــ[28 - 07 - 07, 08:39 ص]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى اله وصحبه ومن والاه
الأمر:
الأمر، لغة: ضد النهي، كالإمارة والإيمار بكسرهما، والآمرة، على فاعلة، أمره، وبه، وآمره فأتمر.
اصطلاحاً: هو استدعاء أو طلب الفعل بالقول ممن هو دونه على سبيل الوجوب، وقد خرج إمام الكاملية القيود الاحترازية من التعريف المذكور حيث قال رحمه الله:
فخرج النهي الذي هو طلب الترك، بقوله: الفعل.
وخرج الطلب بالإشارة والقرائن المفهمة فلا يكون أمراً حقيقة، بقوله: بالقول.
وخرج الطلب المساوي الذي يسمى إلتماساً، والطلب الأدنى من الأعلى الذي يسمى دعاء كقولك: اللهم أغفر لي، بقوله: ممن هو دونه.
وخرج ما لم يكن على سبيل الوجوب الذي هو الحتم، بأن جوز الترك فإنه ليس بأمر، ويكون المندوب على هذا ليس بمأمور به بقوله: على سبيل الوجوب.
وعلى القيد الاحترازي الأخير حدث خلاف بين العلماء مجمله هو: هل إن المندوب مأمور به أم لا؟
قال إمام الكاملية –رحمه الله-: (أن المندوب ليس مأمور به، وبه قال أبو بكر الرازي والكرخي وبعض الفقهاء.
لكن المحققون منهم القاضي أبو بكر الباقلاني، ذهبوا إلى أن المندوب مأمور به، لأنه طاعة إجماعاً، والطاعة فعل مأمور به، وقال الشيخ سعد الدين التفتازاني: إنما يتم هذا الدليل على رأي من يجعل الأمر للطلب الجازم أو الراجح، وأما من يخصه بالجازم فكيف يسلم أن كل طاعة فعل المأمور به؟ بل الطاعة فعل المأمور به أو المندوب إليه الذي هو ما يتعلق به صيغة أفعل، للإيجاب أو الندب).
وقال إمام الكاملية: اعلم أن مسمى الأمر لفظ وهو (افعل) وصيغة (افعل) تدل على الوجوب وقد رجح إمام الكاملية -رحمه الله- ما ذهب إليه جمهور العلماء على أن صيغة (أفعل) حقيقة في الوجوب مجاز في البواقي، وهو مذهب أبي حنيفة ومالك والشافعي وجماعة من المتكلمين وهو ما صححه ابن الحاجب والبيضاوي وقال الرازي: وهو الحق وإليه ذهب الجصاص.
تحرير محل النزاع:
لا خلاف أن السؤال والتوبيخ والتقريع لا يتناوله اسم الأمر وإن كان في صورة الأمر، ولا خلاف أن اسم الأمر يتناول ما هو الإلزام حقيقة، ويختلفون فيما هو للإباحة أو الإرشاد أو الندب، حيث أجمع علماء الأصول على أن صيغة أفعل ليست حقيقة في جميع المعاني التي هي (الإيجاب، والندب، والإرشاد، والإباحة، والتهديد، والامتنان، والإكرام، والتسخير، والتعجيز، والإهانة، والتسوية، والدعاء، والتمني، والاحتقار، والتكوين، والخبر)، وإنما الخلاف في بعضها وقد اختلفوا فيه على مذاهب منها.
المذهب الأول: أن صيغة (أفعل) حقيقة في الوجوب مجاز في البواقي، وهو ما ذهب إليه إمام الكاملية -رحمه الله- تبعاً للإمام الشافعي، ومذهب الأشعرية الذي أملاه أبو الحسن الأشعري -رحمه الله- على أصحاب أبي إسحاق المروزي.
أدلة أصحاب هذا المذهب:
أ – من الكتاب:
1 – قوله تعالى: ((مَا مَنَعَكَ أَلَّا تَسْجُدَ إِذْ أَمَرْتُك)).
وجه الدلالة: هو أن الصيغة وإن كانت صيغة استفهام لكن الاستفهام غير مراد منها لاستحالته على من يستحيل عليه الجهل، بل المراد منها: الذم والتوبيخ، وأنه لا عذر له في الإخلال بالسجود بعد ورود الأمر به، ولو لم يكن الأمر للوجوب لما حسن الذم والتوبيخ، مع استكبار إبليس عند الأمر بتركه السجود.
فإن قيل: يحتمل أن يكون قد اقترن به قرينه دلت على أنه أراد به الإيجاب من شاهد حال وغيره، والقرائن إذا اتصلت بالكلام غيرت مقتضاه وثبت المراد منه.
والجواب عليه: أنه لم يتعرض في الآية لذكر قرينة وإنما علق التوبيخ على مخالفة مجرد الأمر.
ويجاب أيضاً، أنه قد حكى لفظ الأمر في موضع آخر فقال: ((ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلائِكَةِ اسْجُدُوا لآدَمَ فَسَجَدُوا إلا إِبْلِيس))، فلم يذكر أكثر من صيغة الأمر
المجردة في استدعاء السجود ثم علق الوعيد في حق إبليس على المخالفة فدل على أنها مجردة تقتضي الوجوب.
2 – قال تعالى: ((وَإِذَا قِيلَ لَهُمُ ارْكَعُوا لا يَرْكَعُونَ))
¥