تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[ما زال سببه وبقي حكمه]

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 05:41 م]ـ

[ما زال سببه وبقي حكمه]

إن استنباط الأحكام الشرعية من مصادرها المعتبرة شرعاً لا يكون عن هوى وكيفما اتفق، بل لابد من مسالك معينة يسلكها المجتهد، وقواعد يسترشد بها، وضوابط يلتزم بمقتضاها؛ وبهذا يكون اجتهاده مقبولاً، ووصوله إلى الأحكام الصحيحة ممكناً ميسوراً.

وفقهاء الشريعة الإسلامية وضعوا لنا علماً جليل القدر، عظيم الفائدة، لا مثيل له عند أمم الأرض قاطبة لا في القديم ولا في الحديث ذلك هو (علم أصول الفقه)، وكان الغرض من وضعه وبناء صرحه فهم كتاب الله تعالى، وسنة رسوله {، واستنباط الأحكام من نصوصهما؛ ليسير المجتمع المسلم وفق نظام تشريعي عادل واضح المعالم، لا تتلاعب به الأهواء والأغراض فيخدم البعض على حساب الآخرين.

السبب عند الفقهاء:

السبب عند جمهور الفقهاء هو: الأمر الظاهر المضبوط الذي جعله الشارع أمارة لوجود الحكم؛ كالزنا لوجوب الحد، والجنون لوجوب الحجر، وشهر رمضان لوجوب الصيام (1).

ومن هنا فالسبب لا ينعقد سبباً إلا بجعل الشارع له سبباً، ولا دخل في ذلك لرضا المكلف أو عدم رضاه؛ وذلك لأن الأحكام التكليفية هي تكليف من الله تعالى وحده، كما أن الأسباب ليست مؤثرة في وجود الأحكام التكليفية، بل هي أمارة لوجودها؛ ولذلك نجد الأسباب تترتب عليها مسبباتها ولو لم يرد المكلف تلك المسببات؛ فالابن يرث أباه لأن البنوة سبب الميراث بحكم الشارع ووضعه ولو لم يرده المورث أو رده الوارث، والذي يعقد النكاح على أن لا مهر للزوجة، أو لا نفقة لها، أو لا توارث بينهما؛ كان ما اشترطه لغواً لا قيمة له؛ لأن الشارع هو الذي حكم بترتب هذه الآثار وغيرها على عقد النكاح.

الفرق بين السبب والعلة:

يندرج تحت الحديث عن السبب التفريق بينه وبين (العلة) لما بينهما من فرق بسيط، حتى أن الكثيرين من علماء الأصول اعتبروهما بمعنى واحد، ويرى البعض أنهما متغايران؛ فالسبب يطلق على ما لا يكون بينه وبين الحكم مناسبة كدخول الوقت لوجوب الصلاة، فالعقل لا يدرك وجه المناسبة بين هذا السبب وبين تشريع الحكم بوجوب الصلاة، أما العلة فتطلق على ما يكون بينه وبين الحكم مناسبة كالسفر لإباحة الفطر، والإسكار لتحريم الخمر، والصغر للولاية على الصغير، ففي هذه المسائل يدرك العقل وجه المناسبة بين السبب والحكم؛ فالسفر مظنة المشقة فيناسبه الترخيص، والإسكار يفسد العقول والأبدان فيناسبه الحكم بالتحريم، والصغير من شأنه عدم الاهتداء إلى ما ينفعه من التصرفات فيناسبه الحكم بالولاية عليه؛ تحقيقاً لمصلحته، ودفعاً للضرر عنه (2).

ومن المقرر أن السبب يُنتج الحكم التكليفي الذي بني عليه إذا تحقق شرطه، وانتفى المانع، فإذا لم يتحقق الشرط، أو وجد المانع فإن السبب لا ينتج؛ فمثلاً إذا مات المورث ولم تعلم حياة الوارث لا يرث، وإذا علمت ولكن تبين أنه هو الذي قتل المورث فلا يرث أيضاً.

ومن الأحكام ما كان له سبب في عهد النبي {ثم تغير الحال، وزال السبب، إلا أن الرسول {أقر استمرارية الحكم رغم زوال سببه، وهذا وإن كان قليلاً في الأحكام الفقهية إلا أنه متواجد، وذو فاعلية إلى أن تقوم الساعة؛ لانقطاع الوحي صاحب الحق الأوحد في زوال الأحكام أو ثبوتها، وهذا يدل على دقة قواعد الاستنباط في الفقه الإسلامي، وسبقه في الأخذ بمعايير منضبطة في وصف الأحكام والعمل بها.

صلاة النهار السرية:

مع بداية البعثة النبوية كان من أوائل ما نزل الأمر بالصلاة، قال مقاتل ابن سليمان: "فرض الله في أول الإسلام الصلاة ركعتين بالغداة وركعتين بالعشي؛ لقوله تعالى: وسبح بحمد ربك بالعشي والإبكار (55) {غافر: 55} (3) ثم كان الإسراء والمعراج، ففرضت الصلوات الخمس، ومع ضعف شوكة الإسلام، وازدياد بطش كفار قريش بالمسلمين الأوائل تحتم أن تكون صلاة النهار سرية بخلاف صلاة الليل؛ حيث كانت قريش منغمسة في لهوها ومجونها مما جعل الجهر بالصلاة مأمون العواقب، ويصف ابن إسحاق تلك المرحلة بقوله: "وجعل رسول الله {يذكر جميع ما أنعم الله به عليه وعلى العباد من النبوة سراً إلى من يطمئن إليه من أهله، وكانت خديجة أول من آمن بالله ورسوله، وصدقت بما جاء به، ثم إن جبريل أتى رسول الله {حين افترضت عليه الصلاة، فهمز له بعقبه في ناحية الوادي،

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير