[نظرات مهمة في علم أصول الفقه]
ـ[الدكتور صالح محمد النعيمي]ــــــــ[26 - 07 - 07, 11:53 ص]ـ
[نظرات مهمة في علم أصول الفقه]
للدكتور صالح محمد صالح النعيمي
مقدمة
الحمد لله رب العالمين، الذي شرح صدر من شاء من عباده، ووفق من أراد باختياره هو الله الذي لا اله إلا هو يعز من يشاء، احمده على إفاضة حكمه، واشكره على سوابغ نعمه.
واصلي على المبعوث رحمة للعالمين سيدنا ومولانا محمد -صلوات ربي وسلامه عليه - الذي أعلى العلم وأوضح الدلالة، وعلى اله الأطهار وصحبه الأخيار، أما بعد ..
فإن من أفضل العبادات الاشتغال بمعرفة أحكام الدين وبيانها للمسلمين، وفقد اشتغل علماء هذه الأمة بتلك الأحكام حيث خطته أيدي علمائها الأماجد عبر القرون الغابرة.
وعلم أصول الفقه يتميز عن غيره من العلوم بشرف الاتصال بالاجتهاد الذي هو في منظور الأصوليين عنوان الثقة التشريعية لمجتهدي هذه الأمة، وأساس التفويض النبوي في استنباط الأحكام، وقد وعدنا الله تعالى بحفظ أصل الشريعة،بقوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ).
إن أهمية الموضوع تكمن في دراسة مناهج العلماء لكونها تقدم فائدة عامة، ومما يندرج تحت عموم هذه الدراسة هي قيمة المؤلفات التي يبحث فيها من الناحية العلمية، وكذلك توجب على الباحث الإلمام بالمنهجية التي سار عليها المؤلف في مصنفه، وتبيين منهج هذا العالم من خلال النظر إليه من زاوية تمحيص وتقسيمات ذلك المنهج عن غيره والطريقة التي سار عليها في التصنيف أهو مستقل في منهجه أم اخذ عن العلماء الذين من قبله إذ العلم ليس حكرا على أحد لكونه ملك الجميع.
ومما لا شك فيه أن هذا الموضوع ترجع أهميته إلى أهمية علم أصول الفقه نفسه، فهذا العلم يرسم المنهج ويبين طريقة الاستنباط، ويعد هذا العلم كالآلة التي يستطيع المجتهد بواسطتها استنباط الأحكام من النصوص، أما بالنسبة لغيرهم فلا يمكن لهم الاستغناء عن قواعد هذا العلم التي منها (الخاص والعام والمطلق والمقيد وبيان المجمل والمبين والنص والظاهر والناسخ والمنسوخ والإجماع والقياس) وما إلى ذلك من المباحث الأصولية.
وكان منهجي في البحث، هو القيام بعرض الموضوع وتناولت تقسيم هذا البحث على مقدمة و ثلاثة مطالب، المطلب الأول: مناهج العلماء في بحث أصول الفقه، والمطلب الثاني:عمل الفقيه وعمل الأصولي، والمطلب الثالث: الأحكام الأصولية والفقهية.
وختاما قد أفرغت في جمعه طاقتي وجهدي، وبذلت فيه فكري وقصدي، ولم يكن في ظني أن أتعرض لذلك، لعلمي العاجز عن الخوض في تلك المسالك، وصلى الله على سيدنا محمد وعلى اله وصحبه وسلم.
المطلب الأول
مناهج العلماء في بحث أصول الفقه.
نشأ علم أصول الفقه مع نشأة الفقه، وتأخر عنه في التدوين، لأن علماء السلف كانوا في غنىً عنه، فقد كانوا يدركون مراد الشارع من النصوص ويفهمون الأوامر والنواهي.
فالقرآن الكريم نزل بلغتهم وعندهم السنة النبوية، وسليقتهم سليمة، فيكون عندهم ذوق فقهي في تفهم الأحكام الشرعية، لكن لم يكن عندهم قانون مدون يرجعون إليه في ضبط موازين الاجتهاد.
وبعد أن امتد ظل الدولة الإسلامية، واتسعت رقعته، دخل في الإسلام كثير من الشعوب، واختلط العرب بغيرهم من الأمم الأعجمية، فأدى ذلك إلى ضعف اللسان العربي، ودخل في اللغة بعض الأساليب الغريبة عن السليقة والفطرة السليمة، التي اتصفت بها لغة علماء الصدر الأول.
علاوة إلى ذلك ظهور مدرسة الحديث في الحجاز، ومدرسة الرأي في العراق، ووقوع الخلاف بين منهج المدرستين في الاستنباط بحكم ظروف معينة تأثرت بها منهجية كل مدرسة في معالجة الأحداث والوقائع المستجدة.
فكان منهج علماء مدرسة الرأي الأخذ بما تدل عليه آيات القرآن الكريم، ثم الأخذ بالسنة بعد التشديد في قبولها والتأكد من صحتها وتمحيصها وتدقيقها، لشيوع الوضع في الحديث وقد أكثروا في منهجهم من الأخذ بالقياس والاستحسان والعرف.
أما منهج علماء الحديث فكان الأخذ بالكتاب والسنة وعمل أهل المدينة والمصلحة ولم يكثروا من العمل بالرأي، نتيجة لذلك فقد ظهرت الحاجة الملحة إلى تدوين القواعد والقوانين التي تحكم الاجتهاد، ويرجع إليها عند الاختلاف، فوضع الإمام الشافعي رسالته المشهورة ودوّنَ مبادئ هذا العلم.
¥