تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[القاعدة الفقهية " الأمور بمقاصدها "]

ـ[محمد عامر ياسين]ــــــــ[17 - 06 - 07, 05:51 م]ـ

[القاعدة الفقهية " الأمور بمقاصدها "]

د. الطيب السنوسي أحمد

فإن من معالم التفقه في الدين التعرف على القواعد الفقهية الكلية التي تضبط الفروع الجزئية العملية، وقد نبه العلماء إلى أهمية الاعتناء بهذه القواعد وبينوا فائدتها لطالب العلم، يقول القرافي رحمه الله: "وهذه القواعد مهمة في الفقه عظيمة النفع، وبقدر الإحاطة بها يعظُم قدر الفقيه ويشرُف، ويظهر رونق الفقه ويُعرف، وتتضح مناهج الفتاوى وتَكَشَّفْ ... ومن ضبط الفقه بقواعده استغنى عن حفظ أكثر الجزئيات لاندراجها في الكليات، واتحد عنده ما تناقض عند غيره" (1).

ويبين شيخ الإسلام ابن تيمية أهمية القواعد بوجه عام فيقول: "لا بد أن يكون مع الإنسان أصولٌ كلية يَرُدُّ إليها الجزئيات؛ ليتكلم بعلم وعدل، ثم يعرفَ الجزئيات كيف وقعت، وإلا فيبقى في كذب وجهل في الجزئيات، وجهل وظلم في الكليات، فيتولد فساد عظيم" (2).

وقاعدة: " الأمور بمقاصدها " واحدة من القواعد الفقهية الخمس التي يرجع إليها أكثر مسائل الفقه (3) وهي الأمور بمقاصدها، واليقين لا يزول بالشك، والضرر يزال، والعادة محَكّمة، والمشقة تجلب التيسير.

وسيكون حديثي عن قاعدة الأمور بمقاصدها ضمن العناصر التالية:

1 - معنى قاعدة الأمور بمقاصدها

2 - علاقة هذه القاعدة بحديث الأعمال بالنية

3 - مكانة هذه القاعدة في نظر الفقهاء

4 - تقدير المحذوف في القاعدة

5 - مجالات القاعدة

6 - حكمة مشروعية النية

7 - أقسام النية

8 - شروط النية

معنى قاعدة الأمور بمقاصدها:

هذه القاعدة مكونة من شطرين: الأمور، والمقاصد.

والمراد بالأمور في القاعدة: تصرفات المكلفين، وهي محصورة في الأقوال والأفعال والاعتقادات والتروك.

والمقاصد: جمع، مفرده: مقصِد وهو مصدر كالقصد، والقصد في اللغة: إتيانُ الشيءِ وأَمُّهُ (4)، فالمقاصد هي النوايا.

والنية في اللغة: القصد.

وفي اصطلاح الفقهاء عرفها القرافي بقوله: "هي قصد الإنسان بقلبه ما يريده بفعله" (5).

كما عرَّفها بعض الشافعية بأنها: "قصد الشيء مقترناً بفعله" (6).

والنية في الواقع لا يختلف تعريفها اصطلاحاً عن تعريفها في اللغة، فهي: قصد الشيء والعزم على فعله أو تركه.

والمراد بالمقاصد في هذه القاعدة: مقاصد المكلفين أي نواياهم لا مقاصد الشارع.

وبين شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله أن مقاصد المكلفين نوعان: قصد عقلي، وقصد حيواني، والمراد بالقصد في القاعدة القصد العقلي. يقول في ذلك: "والمراد بالقصد القصدُ العقلي الذي يختص بالعقل، فأما القصد الحيواني الذي يكون لكل حيوان، فهذا لا بد منه في جميع الأمور الاختيارية من الألفاظ والأفعال، وهذا وحده غير كاف في صحة العقود والأقوال، فإن المجنون والصبي وغيرهما لهما هذا القصد كما هو للبهائم، ومع هذا فأصواتهم وألفاظهم باطلة مع عدم التمييز" (7).

والمعنى الإجمالي لهذه القاعدة: أن أعمال العباد وتصرفاتهم معتبرة بالنيات، فالأعمال مرتبطة بها صحة وفساداً، وثواباً وعقاباً.

علاقة هذه القاعدة بحديث الأعمال بالنية:

عن عمر بن الخطاب}، قال: سمعت رسول الله {يقول: "إنما الأعمال بالنياتِ، وإنما لكل امرئٍ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله فهجرته إلى الله ورسوله، و من كانت هجرته إلى دنيا يصيبها، أو امرأة يتزوجها، فهجرته إلى ما هاجر إليه" (8).

وتتضح العلاقة بين هذه القاعدة وحديث الأعمال بالنية، بأن هذا الحديث هو أصل القاعدة ومستند الفقهاء في تأسيسها، بل تعد القاعدة مطابقة للحديث منطوقاً ومفهوماً، فقوله: الأعمال بالنيات، مطابق لقولهم: الأمور بمقاصدها.

لكن العلماء مع ذلك عدلوا عن صيغة الحديث إلى صيغة الأمور بمقاصدها، وسبب عدولهم عن لفظ الأعمال بالنية إلى لفظ الأمور بمقاصدها يتلخص في أمرين (9):

الأول: أن لفظ الأمور ولفظ الأعمال وإن كان كل منهما عاماً يشمل في اللغة كل تصرف قولي أو فعلي، إلا أن بعض العلماء قال: إن الأعمال خاصة بما يصدر من المرء من فعل ولا تدخل الأقوال فيها، ولم يقولوا إن لفظ الأمور خاص بأفعال الجوارح دون الأقوال.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير