[مخاطبة الكفار بفروع الشريعة عند الاصوليي]
ـ[الدكتور صالح محمد النعيمي]ــــــــ[29 - 07 - 07, 05:15 م]ـ
بسم الله الرحمن الرحيم
الحمد لله حمدا كثيرا طيبا مباركا فيه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد وعلى اله صحبه اجمعين، وبعد ........
فبيان ذلك (مخاطبة الكفار بفروع الشريعة)
لا بد من تحرير محل النزاع في هذه المسألة:
لا خلاف بين العلماء أن الكفار مخاطبون بالإيمان، لأن النبي بعث إلى الناس كافة ليدعوهم إلى الإيمان، قال تعالى: (قُلْ يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعاً الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ لا إِلَهَ إِلا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ فَآمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ النَّبِيِّ الأُمِّيِّ الَّذِي يُؤْمِنُ بِاللَّهِ وَكَلِمَاتِهِ وَاتَّبِعُوهُ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُون)، فهذا الخطاب منه يتناوله لا محالة، وكذلك لا خلاف أنهم مخاطبون بالمشروع من العقوبات، ولهذا تقام على أهل الذمة عند تقرر أسبابها لأنها تقام بطريق الخزي والعقوبة لتكون زاجرة عن الإقدام على أسبابها، لأن ذلك جزاء وعقوبة فبالكفار أليق منه بالمؤمنين، وكذلك لا خلاف أن الخطاب بالمعاملات يتناولهم أيضاً لأن المطلوب بها معنى دنيوي وذلك بهم أليق، لكونهم آثروا الدنيا على الآخرة، ولأنهم ملتزمون لذلك فعقد الذمة يقصد به التزام أحكام المسلمين فيما يرجع إلى المعاملات فيثبت حكم الخطاب بها في حقهم كما يثبت في حق المسلمين لوجود الالتزام إلا فيما يعلم لقيام الدليل أنهم غير ملتزمين له، وكذلك لا خلاف أن الخطاب بالشرائع يتناولهم في حكم المؤاخذة في الآخرة، لأن موجب الأمر اعتقاد اللزوم والأداء، وهم ينكرون اللزوم اعتقاداً وذلك كفر منهم بمنزلة إنكار التوحيد، فإن صحة التصديق والإقرار بالتوحيد لا يكون مع إنكار شيء من الشرائع.
1. فقد ذهب أكثر علماء الشافعية إلى أن الكفار مخاطبون بالفروع كالصلاة والزكاة مستدلين بأدلة عدة منها:
أن الآيات الآمرة بالعبادة متناولة لهم، كقوله تعالى: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)، وقوله تعالى: (وَلِلَّهِ عَلَى النَّاسِ حِجُّ الْبَيْتِ مَنِ اسْتَطَاعَ إِلَيْهِ سَبِيلاً وَمَنْ كَفَرَ فَإِنَّ اللَّهَ غَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ)، فالكفر لا يصلح أن يكون مانعاً من دخولهم، لأنهم متمكنون من إزالته بالإيمان، ثم أنهم لو لم يكونوا مكلفين بها لما أوعدهم الله تعالى على تركها، لكن الآيات الموعدة على ترك الفروع كثيرة منها:
قوله تعالى: (مَا سَلَكَكُمْ فِي سَقَرَ* قَالُوا لَمْ نَكُ مِنَ الْمُصَلِّينَ)، وقوله تعالى: (وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ* الَّذِينَ لا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ)، وقوله تعالى: (وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَاماً).
2. وذهب بعض الحنفية حيث قال الإمام السرخسي: لا يخاطبون الكفار بأداء ما يحتمل السقوط من العبادات، وقال في ذلك: أن جواب هذه المسألة غير محفوظ من المتقدمين من أصحابنا -رحمهم الله- نصاً ولكن مسائلهم تدل على ذلك، فإن المرتد إذا أسلم لا يلزمه قضاء الصلوات التي فاتته حال الردة، أو من نذر أن يصوم شهراً ثم ارتد ثم أسلم فليس عليه من الصوم المنذور شيء، لأن الردة تبطل كل عبادة، ومعلوم أنه لم يرد بهذا التعليل العبادة المؤداة، فهو ما أدى المنذور بعد، فعُرِفَ بذلك أن الردة تبطل وجوب أداء كل عبادة، فيكون هذا شبه التنصيص عند أصحابنا، أن الخطاب بأداء الشرائع التي تحتمل السقوط لا يتناولهم ما لم يؤمنوا.
ومن ثمرة الخلاف بين السادة الشافعية والحنفية بناء على ما تقرر من أصول:
أن المرتد إذا أسلم يلزمه قضاء الصلوات التي تركها في حال الردة عند الشافعية ولا تلزمه عند الحنفية.
ومنها: هل يجوز للمسلم إعانتهم على الأكل والشرب في نهار رمضان، من غير إظهار أم لا؟، فإن قلنا بتكليفهم لم يجز، وإن قلنا بعدمه جاز.
ومنها: أن الكفار إذا استولوا على أموال المسلمين وأحرزوها بدارهم لا يملكونها، عند الشافعية لأنها معصومة محرمة التناول.
وعند الحنفية: يملكونها، لأن التحريم التناول من فروع الإسلام وهم غير مخاطبون بها، ولهذا لم يجب عليهم القصاص بقتل المسلمين، ولا ضمان ما أتلفوه من أموالهم.
والحمد لله رب العالمين
ناسف على عدم وضعنا للهوامش
ـ[تلميذة الملتقى]ــــــــ[29 - 07 - 07, 09:38 م]ـ
بارك الله فيك و زادك علماً وفضلاً.
ـ[الدكتور صالح محمد النعيمي]ــــــــ[30 - 07 - 07, 10:52 ص]ـ
وبارك الله لنا فيكم ........... امين