تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

" وقد كان السلف الطيب يشتد نكيرهم وغضبهم على من عارض حديث رسول الله صلى الله عليه و سلم برأي أو قياس، أو استحسان، أو قول أحد من الناس كائناً من كان، ويهجرون فاعل ذلك وينكرون على من ضرب له الأمثال، ولا يسوغون غير الانقياد له صلى الله عليه و سلم والتسليم، والتلقي بالسمع والطاعة، ولا يخطر بقلوبهم التوقف في قبوله حتى يشهد له عمل أو قياس، أو يوافق قول فلان وفلان ن بل كانوا عاملين بقوله تعالى:] وما كان لمؤمن ولا مؤمنة إذا قضى الله ورسوله أمراً أن يكون لهم الخيرة من أمرهم [وأمثاله

(مما تقدم) فدفعنا إلى زمان إذا قيل لأحدهم: ثبت عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: كذا، وكذا، يقول: من قال بهذا؟ دفعاً في صدر الحديث، ويجعل جهله بالقائل حجة له في مخالفته وترك العمل به، ولو نصح نفسه لعلم أن هذا الكلام من أعظم الباطل وأنه لا يحل له دفع سنن رسول الله صلى الله عليه و سلم بمثل هذا الجهل، وأقبح من ذلك عذره في جهله، إذ يعتقد أن الإجماع منعقد على مخالفة تلك السنة، وهذا سوء ظن بجماعة المسلمين، إذ ينسبهم إلى اتفاقهم على مخالفة سنة رسول الله صلى الله عليه و سلم، وأقبح من ذلك عذره في دعوى هذه الإجماع، وهو جهله وعدم علمه بمن قال بالحديث، فعاد الأمر إلى تقديم جهله على السنة والله المستعان ".

قلت: وإذا كان هذا حال من يخالف السنة، وهو يظن أن العلماء اتفقوا على خلافها، فكيف يكون حال من يخالفها، إذا كان يعلم أن كثيراً من العلماء قد قالوا بها، وأن من خالفها لا حجة له

إلا من مثل تلك القواعد المشار إليها، أو التقليد على ما سيأتي.

الحديث حجة بنفسه (27)

ونقل الشيخ محمد رشيد رضا رحمه الله في مجلته المنار عن السندي

في حواشيه على فتح القدير من كتب الحنفية قوله: الحديث حجة في

نفسه، واحتمال النسخ لايضرفإن من سمع الحديث الصحيح فعمل به، وهو

منسوخ فهو معذور إلى أن يبلغه الناسخ، ولا يقال لمن سمع الحديث الصحيح: لا

يَعمل به حتى يعرضه على رأي فلان وفلان، فإنما يقال له: انظرهل هومنسوخ

أم لا؟. أما إذا كان الحديث قد اختلِفَ في نسخه، فالعامل به في غايةالعذر، فإن

تطرُّق الاحتمال إلىخطإ المفتي أقوىمن تطرق الاحتمال إلى نسخ ما سمعه من

الحديث.

قال ابن عبدالبر: يجب على من بلغه شيءأن يستعمله على عمومه

حتى يثبت عنده مايخصصه أو ينسخه، وأيضًا فإن المنسوخ من السنة في غاية

القلة حتى عده بعضهم أحدًا وعشرين حديثًا، وإذا كان العامي يسوغ له الأخذ بقول

المفتي، بل يجب عليه مع احتمال خطإالمفتي فكيف لايسوغ له الأخذب الحديث إذا

فهم معناه وإن احتمل النسخ؟

ولوكانت سنةرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لا يسوغ العمل بها بعد

صحتها حتى يعمل بها فلان، لكان قولهم شرطًا في العمل بها، وهذامن أبطل

الباطل.

وقد أقام الله-تعالى-الحجة برسوله - صلى الله عليه وسلم - دون آحاد

الأمة، ولا يعرض احتمال الخطإ لمن عمل بالحديث، وأفتى به بعد فهمه إلا

وأضعاف أضعافه حاصل لمن أفتى بتقليد من لا يُعلم خطؤه من صوابه، ويجري

عليه التناقض والاختلال، ويقول القول ويرجع عنه، ويحكى عنه في المسألةعدة

أقوال.

وهذا كله في من له نوع أهلية، أما إذا لم يكن له أهلية ففرضه ما قال الله -

تعالى-:] فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِإِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ [(النحل: 43) وإذا جاز

اعتماد المستفتي على مايكتبه له المفتي من كلامه أو كلام شيخه، وإن علا فَلأَنْ

يجوزاعتماد الرجل على ماكتبه الثقات من كلام رسول الله-صلى الله عليه وسلم-

أولى بالجواز، ولوقُدِّرأنه لم يفهم الحديث فكمالو لميفهم فتوى المفتي يسأل

من يعرفها، فكذلك الحديث. انتهى كلام السندي ملخصًا،

وقد أطال من هذا النفس العالي-رحمه الله تعالى ورضي عنه-.

مقالات وفتاوى حديثية من مجلة المنار (150)

وقال الشوكاني رحمه الله: واعلم أنه لا يضر الخبر عمل أكثر الأمة بخلافه لأن قول الأكثر ليس بحجة ولا يضره عمل أهل المدينة بخلافه خلافا لمالك وأتباعه لأنهم بعض الأمة ولجواز أنه لم يبلغهم الخبر ولا يضره عمل الراوي له بخلافه خلافا لجمهور الحنفية وبعض المالكية لأنا متعبدون بما بلغ إلينا من الخبر ولم نتعبد بما فهمه الراوي ولم يأت من قدم عمل الراوي على روايته بحجة تصلح للاستدلال بها.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير