تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

أولا: أن المشاهد والمعروف من حال عامة الناس أنهم لا يحملون فتاوى العلماء الحمل الذي يجب، خصوصا تلك التي يكون فيها قيود أو شروط، فإنهم لقلة علمهم أو لهوى عند بعضهم، يطرحون القيود والشروط، ويأخذون بالكلام المطلق أو العام مجردا عن أي قيد وشرط.

فلو صدرت فتوى عامة بجواز الرمي قبل الزوال للضرورة، لحملها الناس على الجواز مطلقا، دون التقيد بقيد الضرورة، وهذا مشاهد في كثير من المسائل، فمثلاً في جواز التوكيل في الرمي عند المشقة لكبر أو عجز ونحوه، ترك الناس هذا القيد وجرى العمل عند كثير الناس على التوكيل حتى ولو لم تكن هناك مشقة، ولا يأخذون بالرخصة الشرعية من جواز الرمي ليلا، بل يتمسكون بجواز التوكيل، بل تعداه لدى بعض الطوائف أن الأصل في النساء أنهن يوكلن، وقد شاهدت بعض الأسر القادمة من بلاد بعيدة، تذهب نساؤهم للطواف بالكعبة كل يوم من أيام التشريق، ومع ذلك لم يرمين جمرة واحدة، لا ليلا ولا نهارا، محتجين بجواز التوكيل.

هذا من ناحية، ومن ناحية أخرى، فإذا وجد من يفهم قيود الفتوى وشروطها، لكنه يؤتى من باب آخر، وهو إدراك مدلول الضرورة! فلا يقدرها بقدرها الشرعي من ناحية، ثمَّ لا يرجع إلى الأصل بزوال هذه الضرورة، وهو المنع من الرمي قبل الزوال بدون ضرورة.

والمعلوم أن الضرورة تختلف باختلاف الأشخاص والأحوال، فما يكون ضرورة لشخص قد لا يكون ضرورة لغيره، بل إن ما يكون ضرورة لشخص في وقت ما قد لا يكون ضرورة له في وقت آخر.

وعليه، فإن إصدار فتوى عامة بجواز الرمي قبل الزوال، حتى لو كانت مقيدة بقيد الضرورة، فيه إعانة للناس على التساهل في أمر المناسك خصوصا، وفي أمر الدين عموما، وقد قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في معرض رده على ابن محمود (فبينت أن رسالته اشتملت من الأغلاط على ما لم يسبقه إليه أحد، ... وأنها أول أساس يتخذ لنقض أحكام الحج، ويسلط أرباب الزيغ والإلحاد أن يسلكوا من طرق نبذ الشريعة ما شاؤوا أن يسلكوه، وأن يصلوا من هدم بنائها القوي المحكم ما قصدوه، ويأبى الله إلا أن يتم نوره) ص4.

ثانيا: على من حمّله الله هذه المهمة العظيمة وهي الإفتاء والتوقيع عن رب العالمين، أن يتقي الله، ويحذر كل الحذر من أن يجعل فتواه طريقا وسبيلا لتتبع رخص الفقهاء، ولا حاجة هنا إلى الإطالة في إيراد أقوال العلماء في ذم هذا الفعل والتحذير منه، قال ابن عبدالبر معقبًا على قول سليمان التيمي (لو أخذت برخصة كل عالم اجتمع فيك الشر كله، قال ابن عبدالبر هذا إجماع لا نعلم فيه خلافا ()، وروى عبد الله بن الامام أحمد عن ابيه قال سمعت يحيى القطان يقول: لو أن رجلا عمل بكل رخصه، بقول أهل المدينة في السماع، يعني في الغناء، وبقول أهل الكوفة في النبيذ، وبقول أهل مكة في المتعة لكان فاسقا) ().

وبيان ذلك، أن نجنب الفتاوى في هذه المسألة وغيرها من المسائل المشابهة، ذكر بعض من رخص من الفقهاء في المسألة موضوع الفتوى، فإن هذا العمل من شأنه أن يقرر في أذهان العامة أن الفعل إذا رخص فيه بعض الفقهاء، أو ورد فيه خلاف، أن الأمر فيه واسع، فلهم أن يختاروا من الأقوال ما تدعوا الحاجة إليه.

والغالب أنهم لا يقتصرون على الحاجة الداعية لهذا الأمر، بل يتجاوزوه فتراهم يأخذون من الأقوال ما تشتهيه أنفسهم وما يوافق أهواءهم، وهذا هو عين تتبع الرخص المذموم، وهذا هو ما يفعله كثير من العامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم.

فلسان أحدهم يقول: هؤلاء العلماء أجازوا هذا الفعل لأنه ورد فيه ترخيص عن بعض الفقهاء، فلم لا يجوز الأخذ برخص الفقهاء في أي مسألة عرضت علينا؟

ويصبح هذا مبدأ ودينا مستحكما عند العامة، لضعف الخوف والخشية من الله عزّ وجل، مع غلبة الجهل.

قال الشيخ محمد بن إبراهيم آل الشيخ في رده على ابن محمود (وكانت فتنة الجهال وأراب الكسل برسالته عظيمة ومفضية إلى أن تبقى البراهين الشرعية ليس لها بين الأمة قيمة ومؤدية الى تضليل الأمة، وفتح باب غث الرخص، وانتهاز الملاحدة واللادينيين في إفساد الدين الفرص، ومفضية ولا بد بالجهال إلى التوثب بجهالاتهم على الشريعة، وإبداء ما لديهم من توهمات فظيعة .. )

ثالثا: ولا يرفعن أحد عقيرته قائلا إنّ الفتاوى تتغير بتغير الأزمان؟ وقد تغير الزمان فتغيرت الفتوى؟

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير