[أسباب الاختلاف الواقع في الملة المحمدية]
ـ[أبو عبد الرحمن الشهري]ــــــــ[09 - 12 - 04, 08:16 ص]ـ
[أسباب الاختلاف الواقع في الملة المحمدية]
سوف أنقل هنا بعض المقتطفات من كتاب الانصاف في بيان أسباب الاختلاف لولي الله الدهلوي
طبعة دار النفائس 1404 هـ الطبعة الثانية
كتاب على صغر حجمه لكنه جمع معارف قيمة في تاريخ التشريع ونشؤ الخلاف الفقهي، وتطور التقليد والتقيد بالمذاهب إلى مرحلة هجر الدليل حجر الإجتهاد وحرمة الخروج عن منصوص أئمة المذاهب وإن كان صادرعن دليل صريح صحيح.
باب أسباب اختلاف الصحابة والتابعين في الفروع
إعلم أن رسول الله صلى الله عليه وسلم لم يكن الفقه في زمانه الشريف مدونا ولم يكن البحث في الأحكام يومئذ مثل بحث هؤلاء الفقهاء حيث يبينون بأقصى جهدهم الأركان والشروط والآداب كل شيء ممتازا عن الآخر بدليله ويفرضون الصور من صنائعهم ويتكلمون على تلك الصور المفروضة ويحدون ما يقبل الحد ويحصرون ما يقبل الحصر إلى غير ذلك
أما رسول الله صلى الله عليه وسلم فكان يتوضأ فيرى أصحابه وضوءه فيأخذون به من غير أن يبين أن هذا ركن وذلك أدب وكان يصلي فيرون صلاته فيصلون كما رأوه يصلي وحج فرمق الناس حجه ففعلوا كما فعل وهذا كان غالب حاله صلى الله عليه وسلم ولم يبين أن فروض الوضوء ستة أو أربعة ولم يفرض أنه يحتمل أن يتوضأ إنسان بغير موالاة حتى يحكم عليه بالصحة أو الفساد إلا ما شاء الله وقلما كانوا يسألونه عن هذه الأشياء
عن ابن عباس رضي الله عنهما قال ما رأيت قوما كانوا خيرا من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم ما سألوه إلا عن ثلاث عشرة مسألة حتى قبض كلهن في القرآن منهن (يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه?) (ويسألونك عن المحيض) قال ما كانوا يسألون إلا عما ينفعهم
قال ابن عمر رضي الله عنه لا تسأل عما لم يكن فاني سمعت عمر بن الخطاب رضي الله عنه يلعن من سأل عما لم يكن
قال القاسم
إنكم تسألون عن أشياء ما كنا نسأل عنها وتنقرون عن أشياء ما كنا ننقر عنها وتسألون عن أشياء ما أدري ما هي ولو علمناها ما حل لنا أن نكتمها
وعن عمرو بن إسحاق قال لمن أدركت من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم أكثر ممن سبقني منهم فما رأيت قوما أيسر سيرة ولا أقل تشديدا منهم
وعن عبادة بن نسي الكندي سئل عن امرأة ماتت مع قوم ليس لها ولي فقال أدركت أقواما ما كانوا يشددون تشديدكم ولا يسألون مسائلكم أخرج هذه الآثار الدارمي
وكان صلى الله عليه وسلم يستفتيه الناس في الوقائع فيفتيهم وترفع إليه القضايا فيقضي فيها ويرى الناس يفعلون معروفا فيمدحه أو منكرا فينكر عليه وما كل ما أفتى به مستفتيا عنه أو قضى به في قضية أو أنكره على فاعله كان في الاجتماعات
ولذلك كان الشيخان أبو بكر وعمر إذا لم يكن لهما علم في المسألة يسألان الناس عن حديث رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال أبو بكر رضي الله عنه ما سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم قال فيها شيئا يعني الجدة وسأل الناس فلما صلى الظهر قال أيكم سمع رسول الله صلى الله عليه وسلم قال في الجدة شيئا فقال المغيرة بن شعبة أنا قال ماذا قال أعطاها رسول الله صلى الله عليه وسلم سدسا قال أيعلم ذلك أحد غيرك فقال محمد بن مسلمة صدق فأعطاها أبو بكر السدس
وقصة سؤال عمر الناس في الغرة ثم رجوعه إلى خبر المغيرة وسؤاله إياهم في الوباء ثم رجوعه إلى خبر عبد الرحمن بن عوف وكذا رجوعه في قصة المجوس إلى خبره وسرور عبد الله بن مسعود بخبر معقل بن يسار لما وافق رأيه وقصة رجوع أبي موسى عن باب عمر وسؤاله عن الحديث وشهادة أبي سعيد له وأمثال ذلك كثيرة معلومة مروية في الصحيحين والسنن
وبالجملة فهذه كانت عادته الكريمة صلى الله عليه وسلم فرأى كل صحابي ما يسره الله له من عباداته وفتاواه وأقضيته فحفظها وعقلها وعرف لكل شيء وجها من قبل حفوف القرائن به فحمل بعضها على الإباحة وبعضها على الاستحباب وبعضها على النسخ لأمارات وقرائن كانت كافية عنده ولم يكن العمدة عندهم إلا وجدان الاطمئنان والثلج من غير التفات إلى طرق الاستدلال كما ترى الأعراب يفهمون مقصود الكلام فيما بينهم وتثلج صدورهم بالتصريح والتلويح والإيماء من حيث لا يشعرون فانقضى عصره الكريم وهم على ذلك ثم إنهم تفرقوا في البلاد وصار كل واحد مقتدى ناحية من النواحي فكثرت الوقائع ودارت المسائل فاستفتوا فيها فأجاب كل واحد حسب ما حفظه أو استنبطه وإن لم يجد فيما حفظه أو استنبطه ما يصلح للجواب اجتهد برأيه وعرف العلة التي أدار رسول الله صلى الله عليه وسلم عليها الحكم في منصوصاته فطرد الحكم حيثما وجدها لا يألو جهدا في موافقة غرضه عليه الصلاة والسلام فعند ذلك وقع الاختلاف بينهم على ضروب
وسوف أتابع نقل شيء من مقتطفات الكتاب
وفي انتظار مشاركتم وتعليقاتكم