تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

[كلمة حول تغيير الإمام الشافعي رحمه الله لمذهبه]

ـ[محمد بن علي المصري]ــــــــ[05 - 12 - 04, 11:54 م]ـ

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله صلى الله عليه وسلم

فقد كنا نستمع إلى جملة منذ القديم وتمر علينا مرورا عاديا ً من بعض الإخوان والمشايخ حفظهم الله وهي أن الإمام الشافعي رحمه الله لما انتقل إلى مصر ورأى وعاصر بيئة جديدة غير مذهبه

وقد كان البعض يستدل بهذا الموقف على تغيير المجتهد لاجتهاده بما يتناسب مع البيئة المحيطة أو مع معطيات عصره

وقد يكون الأمر صحيحا ً إلى حد ما – كون الفقيه ربما يغير اجتهاده ليناسب البيئة التي يعشيها والمجتمع الذي يحياه – (1)

لكن - وفي يومين متتاليين - سمعت من يستدل بهذه الواقعة وبذات الكلمات على ما لا يسلم له ... فأحدهما ويدعى العفيفي الأخضر (2) خلال أحد برامج الإذاعة البريطانية يستدل بهذه الواقعة على (احتياجه لفقه أقليات والإمام الأكبر! سيد طنطاوي قال كذا بل إن الإمام الشافعي لما تغيرت البيئة غير مذهبه) مستدلا ً بهذا على واقع الحجاب الشهيرة في فرنسا

وفي اليوم التالي مباشرة سمعت هذا الكلام - الاستدلال بواقعة تغيير المذهب – من أحد المدرسين – (الدكاترة) – بكلية الحقوق جامعة القاهرة

فهل – فعلا - غير الإمام الشافعي مذهبه من أجل تغير البيئة؟

إن فهم هذا التغير في مذهب الإمام الشافعي يمكن أن يفسر تبعا ً للأطوار التي مر بها اجتهاده رحمه الله ... وهذا الأمر – تقريبا – قد حدث لمعظم الأئمة المجتهدين ومعظم المدارس أو المذاهب الفقهية:

طور التكوين – طور وسيط ربما يكون تجميع وتدوين – طور نضج واستقرار

وقد مر الإمام رحمه الله بهذه الأطوار أو الأدوار الثلاثة:

طور التكوين:

وهو الطور الذي تتلمذ فيه على شيخه مالك بن أنس الأصبحي رحمه الله عالم المدينة ومفتيها وأخذ عنه الموطأ كما أخذ عنه فقهه أو نستطيع أن نسميه فقه مدرسة الحديث أو مدرسة الحجاز

كما نستطيع أن ندعي أن الإمام الشافعي رحمه الله تأثر كثيرا بفقه مالك رحمه الله وأخذ عنه الكثير من المسائل التي كان يفتي بها بل – كما هو معروف – ناظر عنه أهل العراق – محمد بن الحسن رحمه الله وغيره – فكان يدعه: صاحبنا ويقول: صاحبكم يقصد الإمام أبا حنيفة رحمه الله

الطور الوسط:

وهذا الدور كان بالعراق وفيه ظهرت شخصية الإمام الشافعي رحمه الله وظهر له تميزه عن الإمام مالك وبدأ في تدوين فقهه واختياراته وترجيحاته (3) التي بنيت على أصول جديدة ربما خالف فيها مالك رحمه الله

ولا شك أن التواجد في بيئة ظهر فيها الفقه الافتراض وكثرت المناظرات وغلب الرأي ستؤثر – ولو بشكل ما – بكيفية تناول الفقه وطريقته (4) لا ثوابته وأصوله وأحكامه ... حتى أننا رأينا مدرسة للمذهب المالكي بالعراق تختلف عن مدرسته الأم بالمدينة وكذا تختلف عن المدرسة المصرية والمغاربية – على اختلافها – وكذا رأينا مدرسة للمذهب الشافعي بالعراق – فيما بعد الشافعي - لها بعض الاختيارات فتجد أن أئمة المذهب كالنووي ربما يقول (واختار أصحابنا العراقيون ... ) وقد تكلم – قليلا – عن معالم تلك المدرسة فقال في المجموع: (نقل أصحابنا العراقيين لنصوص الشافعي وقواعد مذهبه ووجوه متقدمي أصحابنا أتقن، وأثبت من نقل الخراسانيين غالبا ... )

طور النضج والاستقرار:

وهو الدور الذي ظهر في مصر فبعد ظهور شخصية الإمام الشافعي بالعراق وسبره لطرق ومسالك مدرسة الرأي وكذا تأثيره وتأثره بالإمام أحمد بن حنبل استقرت به الرحلة إلى ديار مصر وفيها بقايا لمذهب الليث بن سعد المصري رحمه الله تعالى وكذا كان المذهب المالكي منتشرا ً بحكم وجود عدد من أئمة المذهب المالكي بمصر كابن القاسم وابن وهب رحمهما الله .. بل إن بعضا من تلامذته – الشافعي - رحمه الله عاد إلى المذهب المالكي مرة أخرى واستقر عليه وهو ابن عبد الحكم

لكن البيئة في مصر لم تكن بذلك الصخب الذي رآه رحمه الله بالعراق .. فبعد المناظرات والجدل الذي بدأ عن مالك وانتهى بتدوين مذهبه القديم وكذا التقدم في العمر الذي لا يعني عند أئمتنا رحمهم الله إلا زيادة في العلم: واتته رحمه الله الفرصة لإعادة الاجتهاد في بعض المسائل وإعادة الاختيار

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير