التاسعة: أن يقين الحاسب الفلكي منشوه نفس الحساب، فيكون خاصا به، ولا يكون الحساب يقينيا في حق كل الناس أو في حق كل أفراد الأمة المحمدية ممن سمع بالحساب اليقيني ولم يحسبه بنفسه. واليقين عند بقية افراد الأمة إنما هو خبر عن اليقين وليس هو يقين لكل الناس، وما كان كذلك فيختص حكمه بمن حصل عنده اليقين ولا تلزم به الأمة.
وحتى تتضح المسألة فإنه لو تقدم عشرة وأفادوا برؤية الهلال وتم التحقق من هيئته منهم، ولكن جاء فلكي وقال للقاضي إن رؤيتهم باطلة لأن الهلال لم يولد بعد وحساباتي اليقينية الدقيقة تدل على ذلك، فإن القاضي لا يمكنه أن يبطل شهادة الشهود بزعم أن الحساب يقيني، لأن يقينية الحساب عند القاضي لم تثبت أصلا وكل
ما هنالك أن عنده خبر عن اليقين، واليقين إنما حصل عند الحاسب، فما كان كذلك لا يمكن تعميمه وإلزام الأمة به، وهذا ما كان يفعل مطرف فإنه كان يعمل بالحساب في خاصة نفسه ولا يلزم به أحدا.
العاشرة: مما لا يختلف عليه أحد من أهل الفلك أن الحسابات الفلكية في العصور الماضية كان يعتيرها الخطأ والقصور والمؤاخذات الفنية، مع أن الحاسبين في تلك العصور الماضية كانوا يجزمون بنفس الجزم الذي يجزم له الحاسبون المعاصرون، فقصور الحساب في العصر الماضي إنما أظهره وكشف ستره الحاسبون المعاصرون وليس المتشرعة الذين رفضوا أخذ الحساب والاعتماد عليه منذ القدم، وما كان كذلك فلا يمكن أن نعتمد يقينيته ...
ومع أنني لست من المتخصصين في الفلك والحساب، ولكنني أطالع وأقرأ وأفهم مقاصد القوم واتجاهاتهم في العلوم، فما زال يعتريني الشك والريب في قولهم إن الحسابات الفلكية المتعلقة بولادة الهلال يقينية بنسبة تسعة وتسعين في المائة، ويقولون إن هامش الخطأ ربما يكون مجرد ثوان!! فلماذا يجعلون هذا الهامش واردا ما دام يقينيا؟؟؟
في خاتمة شهر رمضان لعام 1425 في تايلند عندما استطلع الناس الهلال ليلة السبت اعترض غالب الفلكيين ممن درسوا على المنهج الغربي العصري، عدا الفلكيين البوذيين الرهبان، فقد كانت حساباتهم تجزم أن ليلة السبت هي الليلة الثانية، وقد توافق هذا مع رؤية بعض البلاد مثل بعض المناطق في نيجيريا التي ثبتت فيها الرؤية ليلة الخميس، ولكن غالب الفلكيين (على المنهج الغربي العصري) يذمون علم الفلك على الطريقة البوذية القديمة التقليدية ويتهمونها بالقصور والخطأ مع أن الفلك البوذي العتيق تطور على مر السنين ولهم تقويم قمري سنوي يطبع في تايلند ....
إن كل هذه المؤاخذات الخمسة الأخيرة تلقي ظلالا من الشك وا لريب على حسابات الفلكيين وتنال من مصداقيتها، ولو لم يكن إلا هذه لكفى بها سببا في إسقاط العمل بالحساب، كيف وقد انضم إليها النهي الشرعي وإجماع السلف بل إجماع المسلمين منذ عهد الصحابة ... ؟؟
الفصل الثالث
: في الحكمة العظيمة والحجة البالغة لعدم التعويل على الحساب في الشرعيات
وفيه مسائل:
الأولى: أن في اطراح الحساب الفلكي في الشرعيات تسهيل وتيسير على الأمة في عباداتها، وهذا نلحظه في كل فروع الشريعة، أنها أناطت أداء العبادات بما هو متيسر للمكلفين ولم تكلفهم فوق طاقتهم، بل تكلفهم ما هو في طاقتهم ولكنه عسير على غالبهم، فالصلاة تعرف مواقيتها بالظل وحركة الشمس الظاهرة والليل والنهار وكذا أوقات النوافل الأخرى، والصوات الخاصة مثل الكسوف والاستسقاء مواقيتها مرهونة بظهور علاماتها وهي متاحة لكل من سلمت حواسه من العطب، وهذا متيسر للخلق كافة ...
أما تكليف الناس تعلم الحساب أو جعله معيارا لمعرفة المواقيت ففوق كونه لم يأت به التكليف فإنه شاق عسير على المكلفين كافة، ومثل هذا لا تأتي الشريعة بمثله.
¥