أما الشافعي فقال في الرسالة: ((ووجدنا أهل الفتيا ومن حفظنا عنه من أهل العلم بالمغازي لا يختلفون في أن النبي صلى الله عليه وسلم قال عام الفتح: ((لا وصية لوارث ولا يقتل مؤمن بكافر)) ويأثرونه عمن حفظوا عنه العلم ممن لقوا من أهل العلم بالمغازي، فكان هذا النقل عامة عن عامة وكان أقوى في بعض الأمر من نقل واحد عن واحد، وكذلك وجدنا أهل العلم عليه مجمعين.
ثم ذكر الشافعي أنه ورد بإسناد لا يثبته أهل الحديث ثم قال: وإنما قبلناه بما وصفت من نقل أهل المغازي وإجماع العامة عليه (2).
أما الإمام الحافظ ابن عبدالبر فقال بعدحديث عمرو بن حزم في الديات وهو كتاب كتبه النبي صلى الله عليه وسلم له، وقد رواه مالك مرسلاً (3)، قال ابن عبدالبر رحمه الله: وهو كتاب مشهور عند أهل السير معروف ما فيه عند أهل العلم معرفة يستغنى بشهرتها عن الإسناد لأنه أشبه التواتر في مجيئه لتلقي الناس له بالقبول (4).
أما ابن تيمية فأطال في تقرير ذلك فألخص ما قاله قال: الخبر إذا تلقته الأمة بالقبول تصديقاً له وعملأً بموجبه أفاد العلم عند جماهير العلماء من السلف والخلف، وهو الذي ذكره جمهور المنصفين في أصول الفقه كالسرخسي، وذكر طائفة من الأصوليين، ثم قال: وهو قول أكثر أهل الكلام وهو مذهب أهل الحديث قاطبة وهو معنى ما ذكره ابن الصلاح في مدخله إلى علوم الحديث، فذكر ذلك استنباطاً وافق فيه هؤلاء الأئمة، ثم ذكر من خالف في هذا كالباقلاني والغزالي وابن عقيل قال: وعمدتهم أن خبر الواحد لا يفيد العلم بمجرده، وأجاب عليهم بقوله: إن إجماع الأئمة معصوم عن الخطأ في الباطن وإجماعهم على تصديق الخبر كإجماعهم على وجوب العمل به ... إلخ كلامه رحمه الله (5).
ونقل الحافظ بن حجر رحمه الله كلام ابن تيمية وأيده بنقول نقلها عن طائفة من أهل العلم في كتابه النكت على كتاب ابن الصلاح (6)
فبهذا يتبين أن الحديث إذا تلقته الأمة بالقبول فهذا يرفع الضعف ويدل على أن للحديث أصلا ثابتا والله أعلم.
هذا ما تيسر لي جمعه في هذا الموضوع، وأسأل الله التوفيق والسداد.
الحواشي:
(1) مناهج المحدثين، ص 22.
(2) الرسالة، ص 139، 140، ت: أحمد شاكر.
(3) موطأ مالك (4/ 201) بشرح الزرقاني وأخرجه عبدالرزاق في المصنف (4/ 4) وابن خزيمة (4/ 19) مرسلاً، ورواه
موصولاً النسائي في السنن (8/ 57) وغيره من طريق سليمان بن داود عن الزهري عن أبي بكر بن محمد بن عمرو بن
حزم عن أبيه عن جده. وسليمان بن داود المذكور هنا وهم أنها هو سليمان بن أرقم كما رجحه المحققون من
أهل العلم، وسليمان بن أرقم ضعيف فلا يصح الحديث موصولاً كما قال أبو داود وغيره. انظر: التلخيص الحبير
(4/ 18)، وميزان الاعتدال (3/ 287)، ونيل الأوطار (7/ 163).
(4) التمهيد (17/ 338).
(5) انظر: فتاوى شيخ الإسلام ابن تيمية (18/ 40) فما بعدها، ونقله عنه تلميذه ابن القيم في الصواعق المرسلة، ص
481.
(6) النكت على كتاب ابن الصلاح (1/ 374).
http://www.ahlalhdeeth.com/vb/showthread.php?p=43476#post43476
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[19 - 12 - 04, 11:22 ص]ـ
هناك فرق كبير بين الإسناد المرسل التي أجمعت الأمة على صحته، وبين الحديث الضعيف المشهور الذي عمل أكثر الفقهاء بمعناه. وليراجع كلام ابن حزم في الإحكام حول هذه القضية. ولو جاز قبول أي حديث ضعيف بمجرد صحته، لصححنا الكثير من الأحاديث الموضوعة التي معناها صحيح.
ـ[عبدالرحمن الفقيه]ــــــــ[19 - 12 - 04, 02:42 م]ـ
كلام العلماء السابق يدل على تقوية الحديث بالعمل ولايعارض بكلام ابن حزم لأنه قد خالف العلماء في مسألة التقوي بالشواهد فهو يرى أن الحديث لايتقوي بالشواهد مطلقا وهذا من تخبطاته ومجازفاته في علم الحديث وغيره.
والحديث إذا كان ضعفه محتمل ثم جاء عليه عمل أهل الإسلام فهذا لاشك في تقويته وصحته مثل الإجماع، فإذا أجمع العلماء على قول معين دل على أن هناك نص في هذه المسألة المجمع عليها.
وقد سبق ذكر ما نقل عن الإمام ابن تيمية رحمه الله بقوله (وهو مذهب أهل الحديث قاطبة).
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[19 - 12 - 04, 08:53 م]ـ
لكن أليس معنى هذا تصحيح أي حديث ضعيف متنه صحيح؟
ـ[الغواص]ــــــــ[19 - 12 - 04, 11:31 م]ـ
الأخ الأمين حفظه الله
أولائك العلماء لم يقولوا _كما فهمتَ عنهم بالإطلاق _ من أن:
"كل" حديث ضعيف السند صحيح المتن يعمل به
وإنما أضافوا مع صحة المتن ((العمل به))
بارك الله في علمك وعملك
والله أعلم
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[28 - 12 - 04, 05:17 ص]ـ
ذكر فى " مقدمة " كتاب مسلم عن محمد بن عبد الله بن قهزاذ، عن
أبى إسحاق الطالقانى، قال: قلت لعبد الله بن المبارك: يا أبا عبد الرحمن
الحديث الذى جاء أن من البر بعد البر أن تصلى لأبويك مع صلاتك و تصوم لهما مع
صومك. فقال عبد الله: يا أبا إسحاق عن من هذا؟! قال: قلت: هذا من حديث
شهاب بن خراش. قال: ثقة، عن من قال؟ قلت: عن الحجاج بن دينار. قال: ثقة
. قال: قلت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم. قال: يا أبا إسحاق إن بين
الحجاج بن دينار و بين النبى صلى الله عليه وسلم مفاوز تنقطع فيها أعناق المطى
، و لكن ليس فى الصدقة اختلاف.
فلم يصحح ابن المبارك هذا الحديث رغم أنه ليس في معناه اختلاف، وكون العمل عليه.
وكذلك أمر الرجل الذي يسلم وله أكثر من أربعة زوجات بأن يختار أربعة. الصواب منه أنه مرسل الزهري. ومع ذلك لم يصحح الإمام أحمد ولا غيره، رغم أن العمل عليه.