(ما حدث بعد السلف رضي الله عنهم لا يخلو إما أن يكونوا علموه وعلموا أنه موافق للشريعة ولم يعملوا به؟! ومعاذ الله أن يكون ذلك، إذ إنه يلزم منه تنقيصهم وتفيل من بعدهم عليهم، ومعلوم أنهم أكمل الناس في كل شيء وأشدهم اتباعا وإما أن يكونوا علموه وتركوا العمل به؟ ولم يتركوه إلا لموجب أوجب تركه، فكيف يمكن فعله؟! هذا مما لا يتعلل، وإما أن يكونوا لم يعلموه فيكون من ادعى علمه بعدهم أعلم منهم وافضل واعرف بوجوه البر وأحرص عليها! ولو كان ذلك خيراً لعلموه ولظهر لهم ومعلوم أنهم أعقل الناس وأعلمهم…الخ)، وفيه دليل من ناحية أخرى على أن ما تركه السلف الصالح لابد أن يكون النبي صلى الله عليه وسلم قد تركه وتركه صلى الله عليه وسلم للشيء مع قيام المقتضي له وعدم المانع منه سنة كما ان فعله سنة فمن استحب فعل ما تركه النبي صلى الله عليه وسلم كان كمن استحب ترك ما فعله ولا فرق) اهـ.
ولا يقول قائل ما هو الدليل على أن الرسول صلى الله عليه وسلم وصحابته رضي الله عنهم لم يحتفلوا بالمولد لأنه لو وقع لنقل إلينا، ولذكره من يحتفل بالمولد النبوي لأن الحجة تكون حينئذ أقوى. ومما يدل على أن السلف الصالح لم يحتفلوا بيوم المولد النبوي اختلافهم في تحديد اليوم الذي ولد فيه النبي صلى الله عليه وسلم، وقد بسط الكلام على ذلك الخلاف الإمام ابن كثير في " البداية والنهاية " (2/ 26 ـ 261).
وفيما يلي أنقل أقوالا لبعض من قال بمشروعية الاحتفال بالمولد فيها التصريح بان الرسول صلى الله عليه وسلم لم يحتفل بالمولد ولم يكن من فعل السلف:
1ـ قال السيوطي ـ رحمه الله ـ في " حسن المقصد " ضمن " الحاوي للفتاوى " (1189):
(أول من أحدث فعل ذلك ـ أي فعل المولد ـ صاحب إربل الملك المظفر).
2 ـ قال أبو شامة ـ رحمه الله ـ في " الباعث على إنكار البدع والحوادث " (ص95):
(ومن أحسن! ما ابتدع في زماننا من هذا القبيل: ما كان يفعل بمدينة إربل جبرها الله تعالى كل عام في اليوم الموافق ليوم مولد النبي صلى الله عليه وسلم من الصدقات والمعروف، وإظهار الزينة والسرور ... الخ).
3 ـ قال الإمام السخاوي ـ رحمه الله ـ نقلاً من " المورد الروي في المولد النبوي " لملا علي قارى (ص12): (أصل عمل المولد الشريف لم ينقل عن حد من السلف الصالح في القرون الثلاثة الفاضلة، وإنما حدث بعدها بالمقاصد الحسنة).
4 ـ قال محمد بن علوي المالكي في "حول الاحتفال بالمولد" (ص19):
(فالاحتفال بالمولد وإن لم يكن في عهده صلى الله عليه وسلم، فهو بدعة، ولكنهاحسنة لاندراجها تح الأدلة الشرعية، والقواعد الكلية).
5 ـ قال يوسف الرفاعي في " الرد المحكم المنيع " (ص153):
(ان اجتماع الناس على سماع قصة المولد النبوي الشريف، أمر استحدث بعد عصر النبوة، بل ما ظهر إلا في أوائل القرن السادس الهجري).
الفصل الرابع:
فصل في إثبات احتفال الفاطميون بالموالد قبل صاحب إربل وأنهم أول من احتفل بها:
وهذا الفصل مختصر من (القول الفصل في حكم الاحتفال بمولد خير الرسل) للعلامة إسماعيل الأنصاري رحمه الله (ص64 ـ 72):
1 ـ قال تقي الدين المقريزي ـ رحمه الله ـ في "المواعظ والاعتبار بذكر الخطط والآثار" (1/ 490)؛ تحت عنوان " ذكر الأيام التي كان الخلفاء الفاطميون يتخذونها أعيادا ومواسم تتسع بها أحوال الرعية وتكثر نعمهم": (كان للخلفاء الفاطميين في طول السنة أعياد ومواسم، وهي موس اس السنة وموسم أول العام، ويوم عاشوراء، ومولد النبي صلى الله عليه وسلم، ومولد علي بن أبي طالب رضي الله عنه، ومولد الحسن ومولد الحسين عليهما السلام، ومولد فاطمة الزهراء عليها السلام، ومولد الخليفة الحاضر، وليلة أول رجب، وليلة نصفه، وليلة أول شعبان، وليلة نصفه ... ) اهـ.
2 ـ وقال مفتي الديار المصرية سابقا الشيخ محمد بن بخيت المطيعي في " أحسن الكلام فيما يتعلق بالسنة والبدعة من الأحكام" (ص44):
(مما أحدث وكثر السؤال عنه الموالد، فنقول: إن أول من أحدثها بالقاهرة الخلفاء
الفاطميون، وأولهم المعز لدين الله .. الخ).
3 ـ وقال الشيخ علي محفوظ رحمه الله (وهو من كبار علماء مصر) في " الإبداع في مضار الابتداع" (ص251):
¥