ثالثاً: أن ما في مرسل عروة هذا من أن إعتاق أبي لهب ثويبة كان قبل إرضاعها النبي صلى الله عليه وسلم يخالف ما عند أهل السير من أن إعتاق أبى لهب إياها كان بعد ذلك الإرضاع بدهر طويل كما ذكر الحافظ ابن حجر في " الفتح" (9/ 48) وأوضحه في " الإصابة في تمييز الصحابة" (4/ 250) والحافظ ابن عبدالبر في "الاستيعاب في أسماء الأصحاب" (1/ 12) والحافظ ابن الجوزي في " الوفا بأحوال المصطفى" (1).
رابعاً: أن هذا الخبر مخالف لظاهر القرآن كما أوضحه الحافظ ابن حجر في " الفتح " حيث قال في كلامه عليه (9/ 49): (وفي الحديث دلالة على أن الكافر قد ينفعه العمل الصالح في الآخرة؛ لكنه مخالف لظاهر القرآن، قال الله تعالى (وقدمنآ إلى ما عوا من عمل فجعلناه هبآء منثوراً)) ثم نقل عن حاشية ابن المنير أن ما في ذلك المرسل من اعتبار طاعة الكافر مع كفره محال لأن شرط الطاعة أن تقع بقصد صحيح وذلك مفقود مع الكافر. فإعتاق أبى لهب لثويبة ما دام الأمر كذلك لم يكن قربة معتبرة فإن قيل إن قصة إعتاق أبى لهب ثويبة مخصوصة من ذلك كقصة أبى طالب قلنا: إن تخفيف العذاب عن أبى طالب ثبت بنص صحيح عن النبي صلى الله عليه وسلم وأما ما وقع لأبى لهب في ذلك المرسل فمستنده مجرد كلام لأبى لهب في المنام فشتان ما بين الأمرين) انتهى كلام الأنصاري بتصرف.
يضاف إلى ذلك ان تخفيف العذاب عن أبي طالب كان بسبب شفاعة الرسول صلى الله عليه وسلم كما قال الرسول صلى الله عليه وسلم: (لعله تنفعه شفاعتي يوم القيامة فيجعل في ضحضاح من النار يبلغ كعبيه يغلي منها دماغه).
خامساً: قال الشيخ أبو بكر الجزائري حفظه الله في (الإنصاف فيما قيل في المولد) (ص60):
(ان الفرح الذي فرحه أبو لهب بمولود لأخيه فرح طبيعي لا تعبدي، إذ كل إنسان يفرح بالمولود يولد له، أو لأحد إخوانه أو أقاربه، والفرح إن لم يكن لله لا يثاب عليه فاعله، وهذا يضعف هذه الرواية و يبطلها) اهـ.
سادساً: قال العلامة التويجري رحمه الله في (الرد القوي) (ص56):
(لم يجيء في هذه الرواية مع ضعفها أنه يخفف عن أبي لهب العذاب كل إثنين ولا أن أبا لهب أعتق ثويبة من أجل بشارتها إياه بولادة المصطفى صلى الله عليه وسلم، فكل هذا من التقول على البخاري) انتهى كلام العلامة التويجري بتصرف.
سابعاً: وقال العلامة التويجري رحمه الله أيضاً في المصدر السابق:
(لم يثبت من طريق صحيح أن أبا لهب فرح بولادة النبي صلى الله عليه وسلم، ولا أن ثويبة بشرته بولادته، فكل هذا لم يثبت، ومن ادعى ثبوت شيء من ذك فعليه إقامة الدليل على ما ادعاه. ولن يجد إلى الدليل الصحيح سبيلاً) انتهى بتصرف.
ثامناً: قول المالكي: (وهذه القصة رواها البخاري في الصحيح في كتاب النكاح ونقلها الحافظ ابن حجر في الفتح (إلى ان قال) وهي وان كانت مرسلة الا أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء منالحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام.
وأما انتفاع الكفار بأعمالهم ففيه كلام بين العلماء ليس هذا بسطه والأصل فيه ما جاء في الصحيح من التخفيف عن أبي طالب بطلب رسول الله صلى الله عليه وسلم) يثير عندي بعض الأسئلة وهي: من أين نقل الحافظ ابن حجر هذه القصة في (الفتح)؟! ولماذا أورد المالكي هذه القصة؟!.
ان كتاب الحافظ ابن حجر (فتح الباري) إنما هو شرح للأحاديث والآثارالواردة في صحيح البخاري، فما معنى التفريق بين إخراج البخاري لهذه القصة في صحيحه وبين نقل ابن حجر لها في الفتح؟! أم ان المقصود تكثير المصادر ليوهم السذج؟
ثم ان المالكي إنما أورد هذه القصة ليستدل بها على جواز بل سنية الاحتفال بالمولد كما مر معنا سابقا، فما معنى قوله عن هذه القصة: (أنها مقبولة لأجل نقل البخاري لها واعتماد العلماء من الحفاظ لذلك ولكونها في المناقب والخصائص لا في الحلال والحرام وطلاب العلم يعرفون الفرق في الاستدلال بالحديث بين المناقب والأحكام)
هل يقصد انه لا يريد ذكر هذه القصة لبيان حلال أو حرام وإنما لبيان للمناقب والخصائص؟ فما فائدة ذكرها كدليل على جواز الاحتفال بالمولد؟.
¥