(فإن خلا ـ أي عمل المولد ـ منه ـ أي من السماع ـ وعمل طعاما فقط، ونوى به المولد ودعا إليه الاخوان، وسلم من كل ما تقدم ذكره ـ أي من المفاسد ـ فهو بدعة بنفس نيته فقط، إذ إن ذلك زيادة في الدين ليس من عمل السلف الماضين، وإتباع السلف أولى بل أوجب من أن يزيد نية مخالفة لما كانوا عليه، لأنهم أشد الناس اتباعاً لسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم، وتعظيما له ولسنته صلى الله عليه وسلم، ولهم قدم السبق في المبادرة إلى ذلك، ولم ينقل عن أحد منهم أنه نوى المولد، ونحن لهم تبع، فيسعنا ما وسعهم، وقد علم ان إتباعهم في المصادر والموارد ... الخ).
وقال أيضاً فيمن اقتصر في عمل المولد على إطعام الاخوان ليس إلا ونوى بذلك المولد: (هذا ـ أي قراءة البخاري عوضا عن تلك الأعمال بنية المولد ـ وإن كانت قراءة الحديث في نفسها من أكبر القرب والعبادات وفيها البركة العظيمة والخير الكثير لكن إذا فعل ذلك بشرطه اللائق به على الوجه الشرعي كما ينبغي لا بنية المولد ألا ترىأن الصلاة من أعظم القرب إلى الله تعالى ومع ذلك فلو فعلها إنسان في غير الوقت المشروع لها لكان مذموماً مخالفا فإذا كانت الصلاة بهذه المثابة فما بالك بغيرها) اهـ.
فالأعمال الصالحة لا تقبل إلا بشرطين كما قال أهل العلم: الإخلاص ومتابعة الرسول صلى الله عليه وسلم
ــــــــــ
12 ـ الشبهة الثانية عشر: أن الاحتفال بالمولد النبوي أمر استحسنه العلماء وجرى به العمل في كل صقع فهو مطلوب شرعا للقاعدة المأخوذة من حديث ابن مسعود الموقوف: (ما رآه المسلمون حنا فهو عند الله حسن وما رآه المسلمون قبيحا فهو عند الله قبيح).
ورد الاستدلال بهذا في رسالة محمد بن علوي المالكي " حول الاحتفال " (ص15).
الجواب: أولاً: ان المقصود بقول ابن مسعود رضي الله عنه الصحابة لأنه قال هذا القول استدلالا على إجماع الصحابة على اختيار أبوبكر الصديق رضي الله عنه للخلافة. ومن توسع في الاستدلال بهذا الأثر قصد به الإجماع كما بينت ذلك بشيء من التفصيل في الموضوع الذي كتبته سابقاُ وهو بعنوان " البراهين على ألا بدعة حسنة في الدين".
ثانيا: قال الإمام ابن تيمية في " اقتضاء لصراط المستقيم " (2/ 613ـ 614) في كلامه على المواسم المبتدعة من موالد وغيرها: (إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين فقد تركها في زمان هؤلاء، معتقداً لكراهتها، وأنكرها قوم إن لم يكونوا أفضل ممن فعلها؛ فليسوا دونهم. ولو كانوا دونهم في الفضل فقد تنازع فيا أولو الأمر، فترد إلى الله والرسول. وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها، لا مع من رخص فيه. ثم عامة المتقدمين، الذين هم أفضل من المتأخرين؛ مع هؤلاء) اهـ.
ثالثا: قال العلامة ابن منيع حفظه الله في " حوار مع المالكي" (ص90):
(نقول للمالكي وأمثالهمن أول من استحسن المولد من العلماء، هل هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم؟ قطعا لا .. هل هم التابعون؟
قطعا لا .. هل هم تابعو التابعين؟
قطعا لا ... هل هم قادة القرامطة والفاطميين والرافضة بمختلف طوائفهم ونحلهم؟
اللهم نعم .. هل هم أهل الطرق الصوفية؟ اللهم نعم) انتهى كلامه بتصرف.
(فهل نقبل أمرا أتى به شر من وطأ الحصا، القرامطة والفاطميون وغيرهم، ممن شهد التاريخ الإسلامي بتدنيسهم محيا الإسلام، ونترك ما عليه أصحاب القرون الثلاثة المفضلة، من صحابة وتابعين وعلماء إجلاء، لهم أقداحهم المعلاة ي العلم والتقى، والصلاح والاستقامة وسلامة المعتقد، ودقة النظر وصدق الاتباع والاقتداء بمن أمرنا الله تعالى أن نجعله أسوة لنا وقدوة لمسالكنا وهو رسولنا وحبيبنا ونبينا محمد صلى الله عليه وسلم) انتهى نقلاً من " حوار مع المالكي " (ص57).
13 ـ الشبهة الثالثة عشر: يستدل البعض بأقوال لبعض أهل العلم الذين قالوا بجواز الاحتفال بالمولد النبوي.
والجواب: ان هذه المسألة قد أختلف فيها منذ القديم وليست أقوال أولئك العلماء وغيرهم حجة وانما الحجة في كتاب الله وسنة نبيه عليه الصلاة والسلام (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) فالواجب علينا إذاً ان نرجع إلى كتاب ربنا وسنة نبينا بفهم سلفنا الصالح رضي الله عنهم أجمعين.
¥