وعندما رجعنا إلى الكتاب والسنة بفهم سلفنا الصالح لم نجد ما يدل على جواز إقامة المولد كما مر معنا فيما سبق. وأختم الجواب عن هذه الشبهة بما قاله شيخ الإسلام ابن تيمية رحمه الله في (اقتضاء الصراط المستقيم) (2/ 613 ـ 614) أثناء كلامه عن الموالد وغيرها من البدع:
(إذا فعلها قوم ذوو فضل ودين فقد تركها في زمان هؤلاء، معتقداً لكراهتها، وأنكرها قوم إن لم يكونو أفضل ممن فعلها، فليسوا دونهم. ولو كانوا دونهم في الفضل فقد تنازع فيها أولو الأمر، فترد إلى الله والرسول وكتاب الله وسنة رسوله مع من كرهها، لا مع من رخص فيها. ثم عامة المتقدمين، الذين هم أفضل من المتأخرين، مع هؤلاء) اهـ.
14 ـ الشبهة الرابعة عشر: دعوى تلقي الأوامر النبوية بالاحتفال بذلك اليوم في المنام فقد ورد في مقدمة مولد محمد عثمان الميرغني المسمى " الأسرار الربانية" (ص7):
(رأيت في تلك الليلة النبي صلى الله عليه وسلم رؤية مناميه، ورؤيته حق كما أورد عنه ثقات الرة بطرق الإحصان، فأمرني أن أصنف مولداً وأجعل إحدى قافيتيه هآءً بهية، والأخرى نوناً كما فعلت لأنها نصف دائرة الأكوان وبشرني أنه يحضر في قراءته إذا قرىء فسطرت ليتشرف به كلما تلي حكاية نوميه وأنه يستجاب الدعاء عند ذكر الولادة وعند الفراغ منه فنسأل الله الغفران) اهـ.
الجواب: قال العلامة الأنصاري رحمه الله في " القول الفصل":
(ان الاعتماد على دعوى تلقي أوامر نبوية في المنام بالاحتفال بالمولد النبوي فلا يعتبر لأن الرؤيا في المنام لا تثبت بها سنة لم تثبت ولا تبطل بها سنة ثبتت كما بينه أهل العلم.
فقد قال الإمام النووي في شرح قول مسلم في " الكشف عن معايب رواة الحديث " من " صحيحه " (1/ 11):
(لا يجوز إثبات حكم شرعي به ـ أي بالرؤيا المناميه ـ لأن حالة النوم ليست حالة ضبط وتحقيق لما يسمعه الرائي وقد اتفقوا على أن من شرط من تقبل روايته وشهادته أن يكون متيقظا لا مغفلا ولا سيئ الحفظ ولا كثير الخطأ ولا مختل الضبط والنائم ليس بهذه الصفة فلم تقبل روايته لاختلال ضبطه. هذا كله في منام يتعلق بإثبات حكم على خلاف مايحكم به الولاة. أما إذا رأى النبي صلى الله عليه وسلم يأمره بفعل ما هو مندوب إليه أو ينهاه عن منهي عنه أو يرشده إلى فعل مصلحة فلا خلاف في استحباب العمل على وفقه لأن ذلك ليس حكما بمجرد المنام بل بما تقرر من أصل ذلك الشيء والله أعلم) اهـ.
وقال ابن الحاج في " المدخل " (4/ 302 – 304):
(ليحذر مما يقع لبعض الناس في هذا الزمان وهو أن من يرى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه فيأمره بشيء أو ينهاه عن شيء ينتبه من نومه فيقدم على فعله أو تركه بمجرد المنام دون أن يعرضه على كتاب الله وسنة رسول الله صلى الله عليه وسلم وعلى قواعد السلف رضي الله عنهم قال تعالى في كتابه العزيز: (فإن تنازعتم في شيء فردوه إلى الله والرسول) ومعنى قوله (فردوه إلى الله) أي إلى كتاب الله تعالى ومعنى قوله (والرسول) أي إلى الرسول في حياته وإلى سنته بعد وفاته على ما قاله العلماء رحمة الله عليهم وإن كانت رؤيا النبي صلى الله عليه وسلم حقا لا شك فيها لقوله صلى الله عليه وسلم: (ومن رآني في المنام فد رآني، فإن الشيطان لا يتمثل في صورتي) على اختلاف الروايات لكن لم يكلف الله تعالى عباده بشيء مما يقع لهم في منامهم قال صلى الله عليه وسلم: (رفع القلم عن ثلاثة) وعد منهم (النائم حتى يستيقظ) لأنه إذا كان نائما فليس من أهل التكليف فلا يعمل بشيء يراه في نومه.
هذا وجه ووجه ثان وهو أن العلم والرواية لا يوخذان إلا من متيقظ حاضر العقل والنائم ليس كذلك. ووجه ثالث: وهو أن العمل بالمنام مخالف لقول صاحب الشريعة صلوات الله عليه وسلامه حيث قال: (تركت فيكم الثقلين لن تضلوا ما تمسكتم بهما كتاب الله و سنتي) فجعل صلى الله عليه وسلم النجاة من الضلالة في التمسك بهذين الثقلين فقط لا ثالث لهما. ومن اعتمد على ما يراه في نومه فقد زاد لهما ثالث فعلى هذا من رأى النبي صلى الله عليه وسلم في منامه وأمره بشيء أو نهاه عن شيء فيتعين عليه عرض ذلك على الكتاب والسنة إذ إنه صلى الله عليه وسلم إنما كلف أمته باتباعهما وقد قال صلى الله عليه وسلم: (فيبلغ الشاهد الغائب) إلى ان قال: (فإذا عرضها على شريعته صلى
¥