تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

3 – قال محمد بن عبد العزيز: جلسنا إلى أحمد بن رزين من غدوةٍ إلى العصر فما التفتَ يمنة

ولا يسرة، فقيل له في ذلك، فقال: إن الله عز وجل خلق العينين لينظر بهما العبد إلى

عظمة الله تعالى، فكل من نظر بغير اعتبار كتبت له خطيئة.

الله أكبر .. أين من يطلق بصره ليل نهار، بل أين هذا الذي يقصد الأسواق وغيرها للنظر في ما لا يحل له، بل أين من يبقى ساعاتٍ طِوَال ليشاهد القنوات والمحطات … قال سعيد بن المسيب: ما يئس الشيطان من شيء إلا أتاه من قبل النساءِ.

أخي .. اختلت الموازين واختلفت المعايير، وإلا فأين من يطلق بصره من قول عمرو بن مرَّة: نظرتُ إلى امرأة فأعجبتني، فكُفَّ بصري، فأرجو أن يكون ذلك كفارة.

قال ابن سيرين: إني أرى المرأة في المنام فأعرف أنها لا تحل لي، فأصرف بصري عنها.

أقول: في المنام ويصرف بصره .. لأنه يعلم أنها لا تحل له، ومن صرف بصره في النهار لم يرض بغير ذلك في المنام.وأما من زلَّت به العين فماذا يرى كفارة ذلك .. أهي المعاودةُ وتكرار النظر، أم التوبة إلى الله؟؟

أيها الحبيب: أعجب الأشياء اغترار الإنسان بالسلامة، وتأميله الإصلاح فيما بعد وليس لهذا الأمل منتهى، ولا للاغترار حدٌّ .. وأي موعظة أبلغ من أن ترى ديار الأقران وأحوال الإخوان وقبور المحبوبين فتعلم أنك بعد أيام مثلهم، ثم لا يقع انتباه .. وهذا والله شأن الحمقى.

أخي المسلم: لقد كان العرب قبل الإسلام يعدون غض الطرف أدباً عظيماً بل ويتفاخرون به، ومن ذلك قول عنترة:

وأغضُّ طرفي مَا بَدَتْ لي جَارَتِي حتَّى تُوَارِي جَارَتِي مَأوَاهَا

كان هذا حالهم وهم مشركون بالله، يَعُدون ذلك أدباً رفيعاً وخلقاً عظيماً، فكيف بنا نحن المسلمين وبأيدينا كتاب الله – عز وجل - وسنة نبينا – صلى الله عليه وسلم -، فيهما التحذير من الوقوع في شر النظر وإطلاق البصر فيما لا يحل.

فكم جرح النظر من قلب، وأوقع في غفلة، وأشعل نار الفتنة، ورُبَّ نظرة زرعت شهوة، وشهوة ساعةٍ أورثت حُزناً طويلاً.

وحُقَّ لمن غضَّ طَرفه، وقاوم شهوته أن يقول فيه الشاعر:

ليس الشجاعُ الذي يَحْمِي مطِيَّتَهُ يومَ النِزَالِ ونارُ الحربِ تشتعلُ

لكنْ فتىً غضَّ طرفاً أو ثَنَى بصراً عنِ الحرامِ فذاك الفارسُ البطلُ

ولا أطيل في هذه المقدمة ففي ثنايا الموضوع تتضحُ لك حقيقة هذا الموضوع، وقد سرت في هذا البحث على النحو التالي:

1 – تعريف غض البصر.

2 – حكمه.

3 – الأدلة على وجوب غض البصر.

4 – أحكام ومسائل في النظر.

5 – نظر الفجأة، ويتضمن فتوى لابن القيم - رحمه الله -.

6 – أسباب إطلاق البصر.

7 – الآثار المترتبة على إطلاق البصر.

8 – فوائد غض البصر.

9 – وسائل معينة على غض البصر.

10 – مكفرات خطيئة النظر.

11 – ملحقات: ا – تأملات في جارحة البصر.

ب – مناظرة بين العين والقلب.

ج – مشروعية أقوال وأفعال عند رؤية بعض المرئيات.

فما كان فيه من صوابٍ فمن الله، وما كان فيه من خطأ فمن نفسي والشيطان، وقد آن الأوان للشروع في المقصود:

أولاً: تعريف غض البصر:

لغةً: قال في لسان العرب: (… والغضاضةُ: الفتور في الطرف؛ يقال: غضَّ، وأَغْضى إذا دانى بين جفنيه ولم يلاقِ … وغضَّ طرفه وبصره، يغضه غضاً، وغَضَاضَاً و غِضَاضَاً وغَضَاضَةً، فهو مغضوض و غَضِيضٌ: كفَّهُ و خَفَضَهُ و كَسَرَهُ، وقيل: هو إذا دانى بين جفونه ونظر، وقيل الغضيضُ الطرفِ: المسترخي الأجفان؛ وفي الحديث " كان إذا فَرِحَ غضَّ طرفه " أي كَسَرَهُ وأطرق ولم يفتح عينيه، وإنما كان يفعل ذلك ليكون أبعد عن الأَشَرِ والمَرَح …).

وقال في معجم مقاييس اللغة ( .. فالأول الغض: غض البصر: وكلُّ شيءٍ كففته فقد غضضته، ومنه قولهم: تلحقه في ذلك غضاضةٌ، أي أمر يغض له بصره …).

والمقصود به: أن يكفَّ الإنسان بصره عن الشيء الذي لا يحل له، أو يصرفه إلى الجهة الأخرى بعيداً عمَّا يحرم النظر إليه، وحمل النفس على هذا الأدب يحتاج إلى إيمان ثابتٍ وعزيمةٍ قويةٍ.

ثانياً: حكمه:

يجب على المسلم أن يغضَّ بصره عمَّا حرَّمَ اللهُ النظر إليه.

ثالثاً: الأدلة على وجوب غض البصر:

منها: قوله تعالى " قل للمؤمنين يغضوا من أبصارهم ويحفظوا فروجهم … " [سورة النور آية 30].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير