الثالث: أنه صرَّح بأن الأولى له وليست له الثانية، ومحالٌ أن يكون داؤه مما له، ودواؤه فيما ليس له.
الرابع: أن الظاهر قوة الأمر بالنظرة الثانية لا تناقصه، والتجربة شاهدةٌ به، والظاهر أن الأمر كما رآه أول مرة فلا تحسنُ المخاطرة بالإعادة.
الخامس: أنه ربما رأى ما هو فوق الذي في نفسه فزاد عذابه.
السادس: أن إبليس عند قصده للنظرة الثانية يقوم في ركائبه، فيزين له ما ليس بحسنٍ، لِتَتِمَّ البلية.
السابع: أنه لا يُعان على بليته إذا أعرض عن امتثال أوامر الشرع وتداوي بما حرمه عليه، بل هو جديرٌ أن تتخلف عنه المعونة.
الثامن: أن النظرة الأولى سهمٌ مسمومٌ من سهام إبليس، ومعلومٌ أن الثانية أشدَّ سمَّاً، فكيف يتداوى من السم بالسم؟.
التاسع: أن صاحب هذا المقام في مقام معاملةِ الحق – عزَّ وجل – في ترك محبوب كما زعم، وهو يريد بالنظرة الثانية أن يتبين حال المنظور إليه، فإن لم يكن مرضيَّاً تركه، فإذاً يكون تركه لأنه لا يلائم غرضه لا لله – تعالى -، فأين معاملة الله – سبحانه – بترك المحبوب لأجله؟.
العاشر: يتبين بضرب مثلٍ مطابقٍ للحال وهو أنك إذا ركبتَ فرساً جديداً فمالت بك إلى دربٍ ضيق لا ينفذ ولا يمكنها أن تستدير فيه للخروج، فإذا همت بالدخول فيه فاكبحها لئلا تدخل، فإذا دخلت خطوةً أو خطوتين فَصِحْ بها وردَّها إلى الوراء عاجلاً قبل أن يتمكن دخولها، فإن رددتها إلى ورائها سَهُلَ الأمر، وإن توانيت حتى ولجت وسقتها داخلاً ثم قمت تجذبها بذَنَبِهَا عسُر عليك أو تعذر خروجها، فهل يقول عاقل إن طريق تخليصها سَوْقها إلى داخل؟ فكذلك النظرة إذا أثَّرت في القلب، فإن عَجِلَ الحازمُ وحسم المادَّة من أولها سَهُلَ علاجه، وإن كرر النظر ونقب عن محاسن الصورة ونقلها إلى قلب فارغٍ فنقشها فيه تمكنت المحبة، وكلما تواصلت النظرات كانت كالماء يسقي الشجرة فلا تزال شجرة الحب تَنْمي حتى يفسد القلب ويُعْرِضَ عن الفكر فيما أُمِرَ به، فيخرج بصاحبه إلى المحن، ويوجب ارتكاب المحظورات والفتن، ويلقي القلب في التلف، والسبب في هذا أن الناظر التذَّت عينُه بأول نظرة فطلبت المعاودة، كأكل الطعام اللذيذ إذا تناول منه لقمة، ولو أن غضَّ أولاً لاستراح قلبه وسَلِم، وتأمل قوله – صلى الله عليه وسلم –: " النظرة سهم مسمومٌ من سهام إبليس ".
فإن من شأن السهم أن يسري في القلب فيعمل فيه عمل السم الذي يسقاه المسموم، فإن بادر واستفرغه وإلا قتله ولا بدَّ.
[المرجع: روضة المحبين ص 84].
ـ[عبدالله المزروع]ــــــــ[21 - 03 - 06, 12:24 ص]ـ
سادساً: أسباب إطلاق البصر:
من أهم الأسباب:
1 – اتباع الهوى وطاعة الشيطان.
2 – الجهل بعواقب النظر، وأنه يؤدي إلى الزنا، وربما أدى إلى الردة عن الإسلام، وإليك هذا المثال – وما أكثر القصص في ذلك -، قال عبدة بن عبد الرحيم: خرجنا في سرية إلى أرض الروم فصحبنا شاب لم يكن أقرأ للقرآن منه ولا أفقه ولا أفرضْ، صائم النهار قائم الليل، فمررنا بحصن فنزل بقرب الحصن، فنظر إلى امرأة من النصارى فعشقها، وقال لها: كيف السبيل إليك؟ قالت: حين تتنصَّر يفتح لك الباب وأنا لك، ففعل. فقضينا غَزَاتَنَا في أشد ما يكون من الغم، ثم عدنا في سرية أخرى فمررنا به وهو ينظر من فوق الحصن مع النصارى، فقلنا: يا فلان، ما فعلت قراءتك؟ ما فعل عِلمُك؟ ما فعلت صلواتك وصيامك؟ قال: اعلموا أني نسيت القرآن كله ما أذكر منه إلا هذه الآية: " رُبَمَا يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين * ذرهم يأكلوا ويتمتعوا ويلههم الأمل فسوف يعلمون ". [الحجر آية 2].
3 – الاتكال على عفو الله ومغفرته، ونسيان أن الله شديد العقاب.
4 – مشاهدة الأفلام والمسلسلات والبرامج والصور الفاتنة التي تتبرج فيها النساء، إما عن طريق القنوات الفضائية أو المجلات الخليعة أو غيرها.
5 – العزوف عن الزواج، وقد قال – صلى الله عليه وسلم – " يا معشر الشباب، من استطاع منكم الباءة فليتزوج؛ فإنه أغض للبصر وأحصن للفرج ".البخاري (1905) ومسلم (1400).
6 – كثرة التواجد في الأماكن التي يختلط فيها النساء بالرجال كالأسواق مثلاً، قال العلاء بن زياد: لا تُتْبِع بصرك رداء امرأة، فإن النظرة تجعل في القلب شهوة.
7 – وجود لذة كاذبة يشعر بها الناظر في نفسه، وهي أثر من آثار الغفلة عن الله و قلة تعظيمه في القلب، إذ لو كان معظماً لله – عز وجل – لَمَا فَرِحَ بمعصيته.
8 – تبرج النساء في الشوارع و الأسواق، وتعمد بعضهن إظهار الجمال والزينة، مما يدعو ضعاف النفوس إلى النظر إليهن.
9 – تعمد كثير من النساء النظرَ إلى الرجال، مما يجعل بعض الرجال يبادلهن النظرات.
10 – كثرة التعامل مع النساء، سواء كان في بيع أو شراء أو عمل أو غير ذلك.
11 – ضعف مراقبة الله في قلب الناظر، وعدم استحضار النصوص الواردة في ذلك كقوله تعالى " وهو معكم أينما كنتم ".
12 – دعوى معرفة الواقع حتى يكتب أو يخاطب المسؤولين ليبين لهم الواقع الذي شاهده بنفسه، مع أنه ليس من رجال الحسبة، ولا يقوم بالعمل الذي زعمه بل هي شبهة شيطانية.
13 – قلة الحياء من الله – عز وجل – ومن عباده، قال – صلى الله عليه وسلم – " إنَّ مما أدرك الناس من كلام النبوة الأولى: إذا لم تستحِ فاصنع ما شئت ". البخاري (5769).
14 – الصحبة السيئة فهم يزينون لمن يصاحبهم تلك النظرة فـ " الرجل على دين خليله، فلينظر أحدكم من يخالل " سواءً عن طريق المعاكسات أو القنوات الفضائية أو المجلات الخليعة وغيرها.
¥