ووصف بعضهم بالفقه في الدين .. ودعا لبعضهم ربَّه أن يعلمَه التأويل .. وأن يعلمَه الحكمة ..
وأرسل بعضهم إلى البلدان ليعلّموا الناس دين الله؛ العقيدة والعبادات والمعاملات والأخلاق على حدّ سواء ..
ومعلوم عند كل مسلم (من أهل السنّة والجماعة) أن نبيَّ الله محمّدًا صلى الله عليه وسلّم ورّثَ أصحابه العلم والعمل جميعًا ..
فمن أراد أن يجعل علم الصحابة (أي فقههم وفهمهم للوحي وتفسيرهم له) ..
أو أن يجعل عمل الصحابة جملةً في وادٍ ..
وكلام النبي محمد في واد آخر .. فهو على ضلال مبين وعلى طريق جهنّم ..
وكذلك أقوال التابعين لهم بإحسان من أهل العلم والفضل .. هم في الحقيقة ورثة علم الصحابة، الذي هو ميراث النبيّ محمّد صلى الله عليه وسلّم ..
وهكذا حتى آل الأمر إلى أصحاب المذاهب المدونة، من أهل السنّة والجماعة ..
وتأمّل جيدًا ما يلي:
ليس مرادي أن أفراد الصحابة معصومون،
أو أنّ كل قول لصحابيٍّ فهو حق من شرع الله وصواب لا ينبغي لأحد أن يتعدّاه سواء خالف في ذلك النبيّ أم لا ..
أو خالف في ذلك صحابيًّا مثله أم لا ..
وإلا فقد جعلتُ قول الصحابي وعمله بمنزلة قول النبيّ وعمله وحاشا لله!
لكن بعض النابتة أراد أن يطرح كل شيءٍ إلا قول النبيّ (زعم!)
ولم يدر أنه إن فهم كلام النبيّ على وجهٍ يخالف فهم الصحابة فهو في طريقه إلى جهنّم وبئس المصير ..
وعدم الاكتراث بفهمهم وأقوالهم وأفعالهم موصلة إلى هذه الطريق ولا بد ..
وأهم شيء أريد أن أنبهك إليه:
أن ما أقوله لك كان ضلالاً مبينا في العصور والدهور المنصرمة .. حين أراد بعضهم أن يفهم كلام الله وكلام رسوله بما معه من موروثات اللغة العربية أو الأصول العقليّة ..
وربما كان لبعضهم حظٌّ في فهم كلام العرب، ودورانٌ في جزئيات الشرع؛ بما يجعل لكلامه وجهًا، وإن كان غير صحيح ولا مستقيمٍ وضلال مبين لعدم جريانه على قواعد أهل السنّة والجماعة في الاتباع ..
أما نابتة اليوم فهم يدّعون ترك قول كلّ قائلٍ إلا النبيّ صلى الله عليه وسلّم ..
ويزعم ترك التقليد لفلان وفلان وأبو فلان (أرجو ألا يكون المقصود أبو هريرة!)
وهو في حقيقة الأمر غارق في التقليد ..
1 - فإن سألته كيف عرفتَ صحّة هذا الحديث أو ضعفه؟
قال: صححه البخاري .. ضعّفه الدارقطني ..
وربما تمادت به البلاهة فيقول: صححه الشيخ الألباني، وإن خالف الشيخ الألباني من سبقه في هذا الحكم ..
فالحاصل أنه مقلد للشيخ الألباني أو للبخاري أو للدارقطني، وليته أحسن التقليد، فإنه قلّده في ثبوت النصّ، ولم يقلّده في دلالة النصّ، وليس أحدهما بأولى من الآخر ..
2 - وترى هؤلاء النابتة، ينظر في كتب الفقهاء ويستخرج ما فيها من أحاديث ويجعلها هي الحاكمة في المسألة .. وهذا تقليد له منهم، حتى وإن زعم غير ذلك بفهمه السقيم ..
وإلا فليقسم بالله أنه جمع أحاديث الباب ولم يجد غير هذه ..
3 - وترى هؤلاء النّابتة إذا قلتَ له: كيف تفهم أن قول الله تعالى - مثلا - ((وامسحوا برءوسكم)) أن الباء هنا للإلصاق لا للتبعيض (أو العكس) .. (ومعرفة ذلك تفيد في معرفة القدر المجزئ من مسح الرأس في الوضوء) ..
أي: بأي دلالة لغوية أو شرعية تفهم ذلك؟
لحاصَ كما تحيصُ حُمُر الوحش!
إذ لغة القرآن مستعجمة عليه وإن كان عربيًّا ..
لذلك أيها الفاضل (تابع الأرقام السابقة):
تجد أن أهل العلم والديانة (وهم علماء أمّة محمّد كلّهم) لا يجيزون لأحدٍ أن يستقلّ بالفهم من الكتاب والسنة إلا بعد أن ..
1 - يستقل بالتصحيح والتضعيف ..
2 - يدور في كلام النبي صلى الله عليه وسلّم .. بحيث تكون معلوماته أغلبيّة ومجهولاته أقل منها ..
3 - معرفة لغة العرب والمراد منها بدقّة تؤهله لفهم دقيق تعبيرات القرآن الذي نزل بقرآن عربي ..
إلى غير ذلك من الشروط التي تجدها حيث تعلم .. ولا أراه يخفى عليك ..
ولأن أولى وأعظم من تتحقّق فيه هذه الشروط جميعًا على وجهها هم صحابة النبي صلى الله عليه وسلم؛ فقولهم هو أولى الأقوال بالاعتبار .. وفهمهم هو أولى الفهوم بالصحّة وأقربها لها ..
فهم الذين يعلمون عهد النبي في خطابه ومراده على وجه الدقّة من كلامه، لأنهم عايشوه ..
بل عايشوا نزول الوحي .. وعلموا مراد رب العالمين من كلامه لمّا رأوا أمثل وأعظم وأطوع وأفقه وأتقى من يطبق هذا الكلام يعمل بها ..
فإذا جاء مخرّف ليقول: إنما الحجة بكلام النبي وبالقرآن .. وليس لنا إلى قول الصحابة سبيل .. ولا إلى قول التابعين؛ علمنا أنه جهولٌ ..
فإن الصحابة:
1 - شهدوا التنزيل .. [تأمل قول جابر رضي الله عنه: كنّا نعزل والقرآن ينزل!]
2 - شهدوا تطبيق محمّد صلى الله عليه وسلّم لهذا التنزيل ..
3 - علموا عهد خطاب النبي محمّد .. أي: المعهود من كلامه .. أي: أن النبي إذا قال: (لا يؤمن أحدكم حتى يحب لأخيه ما يحب لنفسه) هل يريد بلا يؤمن = يكفر؟ أم لا يكون تامّ الإيمان كامله؟
طيب إذا قال النبي: (لا صلاة لمن لم يقرأ بفاتحة الكتاب) ... نفس الكلام.
4 - علموا لغة العرب التي نزل بها القرآن ..
5 - علموا المقدَّم والمؤخَّر من الشرع ..
وبعض هذا الذي علموه لا سبيل لأحد بعدهم إليه إلا أن يبعث محمّد بن عبدالله من جديد!
وبعضه الآخر لا سبيل إليه إلا أن تستقرأ نصوص الوحيين استقراء تامًّا لمعرفة عهد النبيّ من الخطاب ..
فآل الأمر إلى الشروط الذي ذكرها العلماء وسبق طرف منها في أول كلامي ..
وبعدُ ..
فهذا طرف من القضيّة يسير .. والكلام فيها بكلّيتها معناه: تأصيل معنى السلفيّة بأدلتها، وبيان أن السلفيّة هي الطريق الوحيدة الموصلّة إلى موعود الله بالجنّة ..
وماعداها إمّا كفر أو ضلال يدخل صاحبه في المشيئة ..
¥