زيادة علي كلام شيخنا عبد الرحمن السديس
قد يكون ذلك قبل نزول آية الحجاب
قال الشيخ الألباني في الرد المفحم ص 122_126:
((لا يصح الحمل المذكور هنا لأمرين:
- الأول: أنه ليس في تلك النصوص ما هو صريح الدلالة على وجوب ستر الوجه واليدين حتى يصح القول بأنها ناقله عن الأصل
- والآخر: أن " نصوص الحجاب " المشار إليها تنقسم إلى قسمين من حيث دلالتهما:
- الأول: ما يتعلق بحجاب البيوت حيث المرأة مبتذلة في بيتها فهذا
لا علاقة له بما نحن فيه كما هو ظاهر على أنه ليس فيه إلا آية الأحزاب: (وإذا سألتموهن متاعا فاسألوهن من وراء حجاب) [الأحزاب: 53] وقد قدمنا عن ابن تيمية أنها في البيوت
- والآخر: ما يتعلق بالمرأة إذا خرجت من بيتها وهو الجلباب فالنصوص الواردة فيه قسمان أيضا:
الأول: ما كان خبرا عن تجلبب النساء في عهده صلى الله عليه وسلم فما كان من هذا النوع منصوصا فيه على ستر الوجه - كحديث عائشة في قصة الإفك ونحوه مما كنت ذكرته في فصل " مشروعية ستر الوجه " - فلا علاقة له بالبحث لأنه مجرد فعل لا يصلح أن يكون ناقلا من الأصل إلى التحريم وهذا ظاهر لا يخفى على عالم فقيه منصف وإن غفل عنه بعض الدكاترة
والآخر: ما كان تشريعا يتضمن أمرا بخلاف ما كانوا عليه من قبل وليس من هذا إلا آية " إدناء الجلابيب " وآية " ضرب الخمر على الجيوب " وليس فيهما أي دليل على تحريم كشف الوجه واليدين لا لغة ولا شرعا كما سبق تحقيقه - بما لا مزيد عليه - فيما وإن مما يؤكد هذا لكل منصف متجرد عن الهوى والعصبية المذهبية أن هؤلاء المسلمين بصحة هذا الحديث يشتركون معنا في القول بجواز النقاب الذي يكشف عن عينيها - وعما دونهما ولو أحيانا - فهل خالفوا بذلك تلك النصوص الناقلة بزعمهم أم (هم قوم خصمون)؟
وزيادة في بيان بطلان هذه الشبهة أقول:
إن قصدهم بقولهم المذكور: إن هذا الحديث - الصحيح عندنا والمسلم بصحته عندهم - منسوخ بآية الحجاب: (يدنين عليهن من جلابيبهن) [الأحزاب: 59]، وهذا - والله - من أعجب العجاب من أولئك الفضلاء لأن الآية ليس فيها دلالة صريحة على وجوب التغطية كما ذكرت آنفا ولئن دلت على ذلك فإنما هو بدلالة العموم لا يمكن إلا ذلك سواء من حيث لفظة (الجلباب) أو (الإدناء) فالحديث يشترك في الدلالة هذه في شطره الأول: " إذا بلغت المرأة المحيض لم يصلح أن يرى منها. . . " فإنه بمعنى لم يصلح أن يرى منها شيء ثم زاد على الآية فقال: " إلا وجهها وكفيها " فهذا صريح في أن العموم غير مراد فإن كانت الآية عامة فالحديث مخصص لها وإلا فهو مبين لها كما قال تعالى: (وأنزلنا إليك الذكر لتبين للناس ما نزل إليهم) [النحل: 44] وهذا ظاهر جدا فلا أدري كيف استقام في أذهان هؤلاء المخالفين ادعاء نسخ الحديث بالآية؟ فإن هذا مخالف لما هو مقرر في علم أصول الفقه فما مثلهم إلا كمثل من قد يقول: إن حديث:
(صحيح) " لا تقطع يد السارق إلا في ربع دينار فصاعدا " (متفق عليه) منسوخ بقوله تعالى: (والسارق والسارقة فاقطعوا أيديهما) [المائدة: 38] وأن قوله صلى الله عليه وسلم في البحر:
(صحيح) " هو الطهور ماؤه الحل ميتته " - وما في معناه - منسوخ بقوله تعالى: (حرمت عليكم الميتة) [المائدة: 3] والأمثلة في ذلك كثيرة وكثيرة جدا ولذلك صرح الشوكاني باستثناء الوجه والكفين مستدلا بهذا الحديث كما تقدم آنفا
ثم بدا لي وجه ثالث: وهو أنه إنما يصح الحمل المذكور على فرض أن الحجة في مسألتنا إنما هي البقاء على الأصل ألا وهو الإباحة فحينذاك يصح الحمل المذكور أما والواقع ليس كذلك - لأن البحث في هذا الحديث على التسليم بصحته - فالحمل المذكور باطل إذ كيف يحمل على ما قبل الحجاب أو الجلباب وهو معه في تحريم عدم تستر المرأة بالجلباب؟ أي: في النقل عن الأصل ويزيد على آية الجلباب أنه استثنى منه الوجه والكفين - كما تقدم بيانه - وهذا واضح جدا
وبهذا يتبين أيضا سقوط كلام حاول به دعم الحمل المذكور بكلام نقله عني حول الذهب المحلق متوهما أنه حجة علي لغفلة عن الفرق بين ما هو الأصل فينقل عنه بالنص العام وبين النص الناقل عن الأصل مقرونا بالاستثناء الدال على
بقاء ما فيه على الأصل لقد غفلوا جميعا عن هذه الحقيقة وما مثلهم في ذلك إلا مثل من يحرم الذهب مطلقا والحرير على النساء مع استثنائه صلى الله عليه وسلم لهن من التحريم في الحديث الصحيح لطرقه: " هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثها " حاملا إياه على الأصل فهل يفعل هذا أحد من أهل العلم؟ ذلك مما لا أظنه ولكن قد فعل مثله هؤلاء الخالفون في حديثنا هذا فنسخوا الخاص بالعام والله المستعان)). اهـ بتصرف.
ـ[عبد الرحمن السديس]ــــــــ[26 - 08 - 06, 02:06 ص]ـ
قد يكون ذلك قبل نزول آية الحجاب
هذا الاحتمال فيه نظر، فنزول آية الحجاب كان بعد البناء بزينب مباشرة كما ثبت في البخاري من حديث أنس، وهنا في مسلم ذكر أن المرأة التي دخل عليها من نسائه هي زينب.
والكلام في دلالة الحديث على المُدَعى كما تفضلتم بارك الله فيكم، وليس على المسألة، فقد تكلم عليها الإخوة كثيرا في مواضع هنا.
والاحتمالات الضعيفة لا يحسن ذكرها والتكثر بها لا في الايراد ولا في الدفع.
¥