تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

سادسا: لأن أئمة أهل السنة من أمثال أبي سعيد الدارمي وابن تيمية لم يكتفوا بالكلام المجمل في أن المذهب الحق هو هو الموافق للعقل بل بينوا ذلك بيانا مفصلا شافيا، كما ساقوا البراهين العقلية الدالة على مخالفة أهل الأهواء لمقتضيات العقل، ودللوا على أن ما ادعوا بأنه عقليات إنما هو جهليات ما أنزل الله بها من سلطان عقلي ولا شرعي.

سابعا: لأن كل أمر من أمور الدين يمكن أن يستدل عليه بدليل عقلي! أكرر: كل أمر سواء كان في الاعتقاد أو في العبادات أو في المعاملات، وسواء كان في أصول الدين أو في الفروع الفقهية. وعليه فإن العقلانيين حقا هم أصحاب المنهج الحق، مذهب أهل السنة والجماعة.

إن الاقتناع بالدليل العقلي يعتمد على أمرين: أولهما أن يكون المخاطب عاقلا، فإذا لم يكن كذلك فلا سبيل إلى مجادلته أو إقناعه. وثانيهما أن تكون مقدماته صحيحة مؤدية إلى النتيجة المبتغاة. لكن المقدمات منها ماهو بين بنفسه يدرك العاقل صحته ببداهة عقله، ومنها ما يعتمد هو نفسه على دليل آخر. وهذا هو الذي يحدد طول دليلك أو قصره مع من تخاطب. قد يسلم من تخاطب بأول مقدمة من دليلك فيكون الدليل قصيرا، وقد يحتاج إلى أن تدلل له على صحة بعض مقدماتك إذا كان لا يسلم بها فيكون الدليل طويلا. فمن الأدلة القرآنية القصيرة جدا دليل على وجود الخالق يقوم على مقدمتين يبدههما كل عاقل ولا يماري فيها إلا مكابر وهما أنه لا شيء يأتي من العدم المحض ولا شيئ يخلق نفسه " أم خلقوا من غير شيئ؟ أم هم الخالقون؟ " لكن هب إنسانا زعم بأن البعث أمر مستحيل كما كان بعض منكريه من العرب يدعون. ستقول له ما قرر القرآن الكريم: إن الذي خلقه أول مرة قادر على إعادته. لكن هذا الدليل يعتمد على تسليمه بأن الله تعالى هو الذي خلقه. فإذا أنكر ذلك احتجت لأن تبرهن له على وجود الخالق.

قد تقول: هذه أمثلة بدهية واضحة، لكن ما كل مسائل الدين كذلك بل منها ما نسلم به مجرد تسليم.

وأقول: لكن التسليم نفسه هو مقتضى العقل.

كيف؟

على أي شيئ تبني تسليمك بأن المغرب ثلاث ركعات مثلا؟ إنك تبنيه على أن هذا ما أمر به الرسول صلى الله عليه وسلم. لكنك لو شئت لمددت حجتك فقلت: والرسول صلى الله عليه وسلم لا ينطق عن الهوى فكل ما أمر به فهو من أمر الله، والله تعالى لا يقرر إلا حقا، ولا يأمر إلا بخير "وتمت كلمة ربك صدقا وعدلا". إن كل عاقل يسمع ما تقول يدرك أن مقدماتك التي ذكرت تؤدي إلى وجوب التسليم بأن المغرب ثلاث ركعات. أقول إذا كان عاقلا منصفا سيرى هذا حتى لو لم يكن يؤمن بما تؤمن به من مقدمات. وأما إذا أراد أن يسلم بما سلمت به فسيسألك الدليل على صحة بعض مقدماتك. كأن يقول لك ما الدليل على أن الرسول قال ما نسبت إليه؟ أو ما الدليل على أن محمدا رسول الله؟ وهكذا وكل هذه أسئلة عليها أدلة عقلية، إن علمتها ذكرتها لصاحبك وإن لم تعلمها أحلته على من هو خبير بها.

قد تقول: لكن هب أن صاحبي قال إنه لا يريد دليلا يقوم على مثل هذه المقدمات الدينية، بل يريد دليلا مباشرا.

فأقول: إن صاحبك لا يكون إذن عاقلا. إن النتائج إنما تبنى على المقدمات التي تناسبها والتي من شأنها أن تؤدي إليها. فإذا كان مسلما بها سلم بالنتيجة، وإذا لم يكن مسلما بها كان من حقه أن يطلب الدليل على صحتها. ليس له إلا هذا.

قل لصاحبك هذا ما الدليل على أن 4*5=20؟ فإذا بدأ يقول لك إن 4*5 معناها 4+4+4+4+4 قل له أنا لا أريد دليلا مبنيا على الجمع، بل دليلا مباشرا. سيقول لك: لكن فكرة الضرب مبنية على فكرة الجمع، فإذا كنت لا تعرف الأخيرة ولا تسلم بها فلا يمكن أن أعطيك دليلا على الأولى.

وكذلك الأمر بالنسبة لعدد ركعات المغرب. إن الدليل عليها مبني على التسليم بأن محمدا رسول الله، وعلى الإيمان بالله.

...

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير