تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

إذاً و بعد أن علمنا فضل التقوى والحث عليها و فضائلها , فما هي التقوى؟ وما هو مفهوم التقوى؟ أما في لغة العرب: فإن الإمام أبا الفدا إسماعيل بن كثير ـ رحمه الله ـ قال في تفسيره: " إن أصل التقوى التوقي مما يكره لأن أصلها وقوى من الوقاية"، قال النابغة الذبياني في شعره:

سقط النصيف ولم ترد إسقاطه

فتناولته واتقتنا باليد

و قال آخر:

فألقت قناعا دونه الشمس واتقت

بأحسن موصولين كف ومعصم

وأما معنى التقوى شرعا: فقد جاء فيه عدة تفاسير عن السلف - رحمهم الله تعالى - لكنها كلها تصب في مصب واحد، ومعنى واحد:

ذكر ابن كثير رحمه الله تعالى ـ عن عمر بن الخطاب ـ رضي الله عنه- أنه سأل أبي بن كعب – رضي الله عنه - عن التقوى، فقال له: أما سلكت طريقا ذا شوك؟ قال بلى , قال فما عملت؟ قال: شمرت واجتهدت, قال: فذلك التقوى.

وأخذ هذا المعنى ابن المعتز الشاعر فقال:

خل الذنوب صغيرها

وكبيرها ذاك التقى

واصنع كماش فوق

أرض الشوك يحذرما يرى

لا تحقرن صغيرة

إن الجبال من الحصى

وأنشد أبو الدرداء - رضي الله عنه – " واسمه عامر بن عويمر" يوما:

يريد المرء أن يؤتى مناه

ويأبى الله إلا ما أرادا

يقول المرء فائدتي ومالي

وتقوى الله أفضل ما استفادا

ورُوي عن علي بن أبي طالب - رضي الله عنه ـ " ولا أعرف له إسنادا" أنه قال: [التقوى:الخوف من الجليل،و العمل بالتنزيل،و القناعة بالقليل، و الاستعداد ليوم الرحيل].

و ذكر شيخ الإسلام ابن تيمية في المجموع في المجلد السابع منه و في المجلد العشرين ,وفي الثامن والعشرين، وفي منهاج السنة، وابن كثير- رحمه الله تعالى - في تفسيره، والذهبي في السير عن طلق بن حبيب - رحمه الله تعالى - أنه قال: [التقوى أن تعمل بطاعة الله رجاء رحمته على نور من الله , وأن تترك معصية الله على نور من الله تخاف عقاب الله]؛

قال الذهبي - رحمه الله تعالى ـ في السير (4/ 601): [أبدع وأوجز، فلا تقوى إلا بعمل , ولاعمل إلا بتروٍ من العلم والاتباع , ولاينفع ذلك إلا بالإخلاص لله , لا ليقال: فلان تارك للمعاصي بنور الفقه , إذ المعاصي يفتقر اجتنابها إلى معرفتها ـ فيكون الترك خوفا من الله لا ليمدح بتركها فمن داوم على هذه الوصية فقد فاز].

وقال الحافظ ابن كثير "رحمه الله تعالى " في تفسيره في قوله تعالى: [ولكم في القصاص حياة يا أولي الألباب لعلكم تتقون]، قال: "التقوى اسم جامع لفعل الطاعات وترك المنكرات"،

وقال بعض السلف: [التقوى ألا يراك ربك حيث نهاك، وألا يفقدك حيث أمرك].

وهذه التفاسير في التقوى كلها تصب في معنى واحد وهذا المعنى يمثل أصلين عظيمين من أصول الدين لا يُقبل العمل إلا بهما،ولا يتوسل إلى فضل الله إلا بهما، ألا وهما: الإخلاص والمتابعة، الإخلاص في العمل ابتغاء وجه الله عزوجل،والمتابعة لله و لرسوله صلى الله عليه و سلم في هذه الأعمال: أي:إن العمل يكون وفق الشرع، فالأول - وهو الإخلاص ـ هو ميزان الباطن، والثاني ـ وهو المتابعة - هو ميزان الظاهر،

أما دليل ميزان الباطن فهو الحديث المشهور حديث عمر المتفق على صحته عن النبي صلى الله عليه و سلم أنه قال: [إنما الأعمال بالنيات، وإنما لكل امرئ ما نوى، فمن كانت هجرته إلى الله ورسوله، فهجرته إلى الله ورسوله، ومن كانت هجرته لدنيا يصيبها أو امرأة ينكحها، فهجرته إلى ما هاجر إليه].وأما دليل ميزان الظاهر فهو حديث أم المؤمنين عائشة - رضي الله عنها - الذي في الصحيحين مرفوعا: [من أحدث في أمرنا هذا ما ليس منه فهو رد]، وفي رواية مسلم وهي عند البخاري تعليقا: [من عمل عملا ليس عليه أمرنا فهو رد].أي مردود.

فالعمل لا يقبل عباد الله إلا إذا توفر فيه هذان الشرطان الإخلاص والمتابعة، فلا تكفي النية الخالصة والعمل معصية أو بدعة , ولا يكفي العمل الصحيح وفق السنة والنية فاسدة يُبتغى بها غير الله.

أيها الإخوة:

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير