وإذا كانت الصفة كمالاً في حال، ونقصاً في حال، لم تكن جائزة في حق الله ولا ممتنعة على سبيل الإطلاق، فلا تثبت له إثباتاً مطلقاً، ولا تنفى عنه نفياً مطلقاً بل لابد من التفصيل: فتجوز في الحال التي تكون كمالاً، وتمتنع في الحال التي تكون نقصاً وذلك كالمكر، والكيد، والخداع، ونحوها. فهذه الصفات تكون كمالاً إذا كانت في مقابلة من يعاملون الفاعل بمثلها؛ لأنها حينئذ تدل على أن فاعلها قادر على مقابلة عدوه بمثل فعله أو أشد، وتكون نقصاً في غير هذه الحال، ولهذا لم يذكرها الله تعالى من صفاته على سبيل الإطلاق وإنما ذكرها في مقابلة من يعاملونه ورسله بمثلها، كقوله تعالى: (وَيَمْكُرُونَ وَيَمْكُرُ اللَّهُ وَاللَّهُ خَيْرُ الْمَاكِرِينَ).
وقوله: (إِنَّهُمْ يَكِيدُونَ كَيْداً* وَأَكِيدُ كَيْداً).
وقوله: (وَالَّذِينَ كَذَّبُوا بِآياتِنَا سَنَسْتَدْرِجُهُمْ مِنْ حَيْثُ لا يَعْلَمُونَ*وَأُمْلِي لَهُمْ إِنَّ كَيْدِي مَتِينٌ).
وقوله: (إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ).
وقوله: (قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ* اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ).
ولهذا لم يذكر الله أنه خان من خانوه فقال تعالى: (وَإِنْ يُرِيدُوا خِيَانَتَكَ فَقَدْ خَانُوا اللَّهَ مِنْ قَبْلُ فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ وَاللَّهُ عَلِيمٌ حَكِيمٌ). فقال: (فَأَمْكَنَ مِنْهُمْ)، ولم يقل: فخانهم؛ لأن الخيانة خدعة في مقام الائتمان، وهي صفة ذم مطلقاً.
وبذا عرف أن قول بعض العوام: "خان الله من يخون" منكر فاحش، يجب النهي عنه.
فوائد من تعليقات الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله:
لما ذكر الشيخ القواعد التعلقة بالأسماء الحسنى وذكر ما رآه من عدِّ الأسماء الحسنى أتبع ذلك بذكر قواعد في الصفات وبين الأسماء والصفات ارتباط ظاهر كما تقدم أن كل اسم متضمن لصفة من صفات الله لكن ليس كل صفة مستلزمة لإثبات اسم, فلا يشتق لله من كل صفة اسم يكون علَما عليه ويدعا به.
[صفات الله تعالى كلها صفات كمال]
والشيخ يذكر هنا أن جميع صفات الله صفات كمال وهذا حق, وكما قال الشيخ دل عليه السمع والعقل,
[معنى الكمال]
والكمال ضده النقص فجميع أسماء الله حسنى وجميع صفاته صفات كمال فلا يلحقه النقص كما جاء في دعاء الإستفتاح (والشر ليس إليك) يعني أن الشر لا يدخل في أسمائه ولا في صفاته وفي أفعاله.
[الدليل على أن صفاته تعالى صفات كمال]
والدليل على ذلك:
1/ قوله تعالى (للذين لا يؤمنون بالآخرة مثل السوء ولله المثل الأعلى) والمثل الأعلى أي الوصف الأطيب والأكمل.
2/ ووصف أسماءه بأنها حسنى (ولله الأسماء الحسنى) ولا تكون كذلك الا إذا تضمنت صفات كمال, ولو كانت ألفاظا لا تدل على معاني لما كانت حسنى ولو دلت على صفات نقص لما كانت حسنى وحسنى أفعل تفضيل,
فله تعالى الوصف الأكمل وله من كل صفة غايتها, وهو منزه عن كل نقص,
3/ والله قد أثنى على نفسه بما له من صفات الكمال في آيات كثيرة
[صفات الكمال معروفة معقولة]
ثم إن صفات الكمال معروفة معقولة, فالسمع والبصر والحياة كمال, والصمم والعمى والموت نقص,
[توضيح الدليل العقلي الثاني]
وإذا كان المخلوق يتصف بالكمال فالخالق أولى, لأن صفات الكمال للمخلوق جائزة له فيجوز أن يتصف بها أو بضدها, وأما الخالق فهي واجبة له سبحانه وتعالى, فالحياة واجبة بمعنى أنها لا تنفك عن ذاته, وكذلك كل الصفات الذاتية واجبة, وهي في حق المخلوق جائزة, فالمخلوق يجوز عليه الحياة والموت, وتجوز عليه هذه الصفات وأضدادها, السمع والبصر وضدهما, وأما الله تعالى فلا تجوز عليه أضدادها, واتصافه سبحانه وتعالى بصفات الكمال يقتضي تأليهه وحده لا شريك له, فهو الخالق ولا خالق سواه, وهو المالك لكل شيء, وهو القادر على كل شيء, وهو العالي على كل شيء, وهو السميع الذي سمعه وسع الأصوات, وبصره نافذ في جميع المخلوقات, وأما ما سواه فهو مربوب مخلوق مدبر عبد فقير,
[الله تعالى نزه نفسه عن صفات النقص]
والله تعالى كما وصف نفسه بصفات الكمال نزه نفسه عن أضدادها, فنزه نفسه عن الموت والسنة والنوم لأنها تضاد كمال حياته, ونزه نفسه عن الصاحبة والولد لأن ذلك ينافي كمال غناه وصمديته وأحديته, ونزه نفسه عن الضلال والنسيان والغفلة لأن ذلك ينافي كمال علمه, ونزه نفسه عن الظلم لأن ذلك ينافي كمال العدل.
[ما يتضمنه الإثبات والنفي في صفاته سبحانه]
وكل نفي في صفات الله فإنه يتضمن كمال, وكل إثبات فإنه يتضمن تنزيها,
[النفي في صفات الله جاء مفصلا ومجملا]
والنفي والتنزيه جاء مجملا ومفصلا فقوله: (سبحان الله عما يصفون) تنزيه لله عما كل ما يصفه به الجاهلون والمفترون.
[إذا كانت الصفة كمالا في حال ونقصا في حال]
أما صفاته التي كما قال الشيخ تكون نقصا وتكون كمالا, فله تعالى من ذلك الكمال فالمكر والخداع يكون كمالا ومحمودا إذا وقع على من يستحقه, يقول تعالى (ومكروا مكرا ومكرنا مكرا) وقال تعالى (وإذ يمكر بك الذين كفروا ليثبتوك أو يقتلوك أو يخرجوك ويمكرون ويمكر الله) ,
[الله تعالى يمكر حقيقة]
والله تعالى يمكر حقيقة ليس كما يقول بعض المفسرين ان هذا على سبيل المشاكلة اللفظية فقط, لا, بل هو حقيقة, يمكر بالكافرين والمنافقين في الدنيا والآخرة كما يمكرون, ويستهزئ بهم ويخدعهم (يخادعون الله وهو خادعهم) فما يكون من الرب من مكر واستهزاء انما هو عقوبة,
وسنة الله في الجزاء أنه من جنس العمل, فيستهزئ بالمستهزئين ويسخر بالساخرين برسله وأوليائه, ويمكر بالمكرين بأنبيائه ورسله وأوليائه,
وأما المخلوق فيكون منه المكر المحمود والمذموم, فمنه ما يكون عدلا ومنه ما يكون ظلما وعدوانا والله أعلم.
¥