وهذا يدل على وجوب فهمه على ما يقتضيه ظاهره باللسان العربي إلا أن يمنع منه دليل شرعي.
وقد ذم الله تعالى اليهود على تحريفهم، وبين أنهم بتحريفهم من أبعد الناس عن الإيمان. فقال: (أَفَتَطْمَعُونَ أَنْ يُؤْمِنُوا لَكُمْ وَقَدْ كَانَ فَرِيقٌ مِنْهُمْ يَسْمَعُونَ كَلامَ اللَّهِ ثُمَّ يُحَرِّفُونَهُ مِنْ بَعْدِ مَا عَقَلُوهُ وَهُمْ يَعْلَمُونَ). وقال تعالى: (مِنَ الَّذِينَ هَادُوا يُحَرِّفُونَ الْكَلِمَ عَنْ مَوَاضِعِهِ وَيَقُولُونَ سَمِعْنَا وَعَصَيْنَا) الآية.
وأما العقل:
فلأن المتكلم بهذه النصوص أعلم بمراده من غيره، وقد خاطبنا باللسان العربي المبين فوجب قبوله على ظاهره وإلا لاختلفت الآراء وتفرقت الأمة.
فوائد من تعليقات الشيخ عبدالرحمن البراك حفظه الله:
[الأصل في حمل كلام أي متكلم]
لا شك ان الواجب في كلام الله وكلام رسوله إجرؤه على ظاهره,
بل هذا هو الأصل في حمل كلام أي مخاطب, ما لم يقم دليل يوجب صرفه عن ظاهره,
وإلا لما كان الكلام بيانا ولا دالا على مراد المتكلم,
الأصل أن الكلام يبين به المتكلم مراده, ولا يأتي الخلل إلا إما:
1/ من نقص بيانه, فصاحته, فقد يتكلم بكلام لا يدل على مراده بسبب عجزه وضعف بيانه وعدم فصاحته,
2/ أو أن يريد التلبيس على المخاطب, فيخاطبه بخلاف مراده حتى يفهم من ذلك الكلام خلاف المراد,
ولهذا ذكر شيخ الإسلام أنه إذا توفرت هذه المقومات وهي العلم والبيان والنصح لزم من ذلك أن يتحقق البيان,
والرسول اعلم الخلق وأفصح الخلق وأنصح الخلق فوجب أن يدل كلامه على مراده أتم دلالة وأكمل بيان.
[معنى التحريف]
وخلاف ذلك حمل كلام المتكلم على معان قد يحتملها لكن بغير حجة وهذا هو التحريف,
التحريف صرف الكلام عن ظاهره بغير حجة, ويسميه المتأخرون تأويلا, فيقولون التأويل صرف اللفظ عن الإحتمال الراجح إلى الإحتمال المرجوح لدليل, والشأن في ذلك الدليل,
[أهل التأويل يصرفون النصوص عن ظاهرها بلا دليل]
فأهل التأويل من نفاة الصفات ــ لأن نفاة الصفات طائفتان كما تقدم مفوضة ومؤولة ــ يفسرون نصوص الصفات بخلاف ما تدل عليه, ثم يضطربون في هذا التأويل, فيصرفون كلام الله وكلام رسوله عن ظاهره بغير حجة, بل بشبهات يسمونها عقليات, وهي في الحقيقة جهليات وقد عمدوا إلى أفضل أنواع النصوص ــ وهي نصوص الأسماء والصفات ــ عمدوا إليها فصرفوها عن ظواهرها, بناء على ما أصَّلوه بالشبهات الباطلة من أنه تعالى لا تقوم به الصفات, فالجهمية والمعتزلة لما أصلوا نفي الصفات لابد أن يكون لهم موقف من هذه النصوص, كيف يصنعون بها؟ فلجؤا إلى التأويل فصارت النصوص عندهم لا تدل على إثبات الصفات,
[اللذين لم يفهموا من النصوص إلا التشبيه وقعوا في أربعة محاذير]
يقول الشيخ في التدمرية إن اللذين لم يفهموا من النصوص إلا التشبيه وقعوا في أربعة محاذير:
1/ جعلوا النصوص أولا دالة على الباطل وهو التشبيه,
2/ ثانيا أنهم عطلوها عن مراد الله منها فجعلوها دالة على الباطل, خالية عن الدلالة على الحق,
3/ وعطلوا الرب تعالى عن صفات كماله,
4/ وشبهوه بالجمادات والمعدومات والممتنعات,
يقول فجمعوا في الله وفي كلام الله بين التعطيل والتمثيل.
[التحريف سبيل اليهود وسبيل كل مبطل]
وقال الشيخ عندك أن التحريف سبيل اليهود, فاليهود نعتهم الله بالتحريف, فهؤلاء الجهمية والمعتزلة ومن شابههم كل بحسبه, قد شابهوا اليهود في تحريف كلام الله كما قال تعالى (يحرفون الكلم عن مواضعه) وقال (يحرفون الكلم من بعد مواضعه)
وهذا سبيل كل مبطل, فكل مبطل تعارض النصوص مذهبه فإنه يقف منها هذا الموقف, يلتمس لها التأويلات ليتخلص منها هذا فيما لم يقدر على رده,
أما ما قدر على رده دفعه, وقال هذا كذب هذا ما صحَّ, هذا خبر آحاد وما أشبه ذلك,
فإن لم يقدر على الرد بطريق من الطرق ذهب إلى التحريف, وحقيقة التحريف صرف الكلام عن ظاهره إلى غيره بغير حجة توجب ذلك,
[دليل هذه القاعدة]
والشيخ محمد رحمه الله إستدل على هذه القاعدة بأن الله أخبر أنه خاطب عباده بلسان عربي مبين, فوجب حمل كلام الله على ما يقتضيه اللسان العربي, وإلا لما كان بيانا ولهذا الذين حرفوا النصوص أو فوضوا فيها لزم من قولهم أن القرآن ليس هدى ولا بيانا ولا شفاء, فالهدى والبيان والشفاء يكون بالكلام البين الذي يدل على معان بحسب ظاهره, أما إذا قيل إن هذا الكلام لايدل على شيء ولا يفهم منه شيء لم يكن هدى ولا بيانا ولا شفاء, أو قيل إنه يدل على معان هي خلاف الظاهر فكذلك يكون المتكلم ملغز بكلامه لا مبين,
وإجراء النصوص على ظاهرها هو موجب الشرع كما قال الشيخ للأدلة التي ذكرها,
وهو موجب العقل كما قلنا إن الواجب حمل كلام المتكلم على ظاهره دائما, سواء كان كلام الله أو كلام الرسول أو كلام سائر المخاطِبين إلا أن يدل دليل على وجوب حمله على خلافه,
هذا هو الأصل وهذا هو المعروف في عرف العقلاء والله أعلم.
¥