وسلم: "أن أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، بل قد يكون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه والعبد مضطجع على جنبه كما قال الله تعالى: (الَّذِينَ يَذْكُرُونَ اللَّهَ قِيَاماً وَقُعُوداً وَعَلَى جُنُوبِهِمْ). وقال النبي صلى الله عليه وسلم لعمران بن حصين: "صل قائماً، فإن لم تستطع فقاعداً، فإن لم تستطع فعلى جنب".
قال: فإذا كان كذلك صار المراد بالحديث بيان مجازاة الله تعالى العبد على عمله، وأن من صدق في الإقبال على ربه وإن كان بطيئاً جازاه الله تعالى بأكمل من عمله وأفضل. وصار هذا هو ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية المفهومة من سياقه.
وإذا كان هذا ظاهر اللفظ بالقرينة الشرعية، لم يكن تفسيره به خروجاً به عن ظاهره ولا تأويلاً كتأويل أهل التعطيل، فلا يكون حجة لهم على أهل السنة ولله الحمد.
وما ذهب إليه هذا القائل له حظ من النظر لكن القول الأول أظهر وأسلم وأليق بمذهب السلف.
ويجاب عما جعله قرينة من كون التقرب إلى الله تعالى وطلب الوصول إليه لا يختص بالمشي بأن الحديث خرج مخرج المثال لا الحصر فيكون المعنى: من أتاني يمشي في عبادة تفتقر إلى المشي لتوقفها عليه بكونه وسيلة لها كالمشي إلى المساجد للصلاة أو من ماهيتها كالطواف والسعي. والله تعالى أعلم.
فوائد من تعليقات الشيخ عبد الرحمن البراك حفظه الله:
الحمد لله, الرسول عليه الصلاة والسلام حدث أصحابه بهذا ولم يكن ولله الحمد عندهم فيه أخذ ولا رد, لأنهم:
1/ يفهمون عن الله وعن رسوله مراده,
2/ ويفهمون دلالات الكلام,
إنما جاء الاضطراب لما ظهرت البدع وغلب على أصحاب هذه البدع الهوى, فصاروا يتبعون المتشابه كما قال الله (فأما الذين في قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه) ,
فهذه الأحاديث إنما يفهمها على غير وجهها:
1/ إما جاهل لا يفهم دلالات السياق أصلا لقصور فهمه,
2/ أو أنه يكون صاحب بدعة يحمله ما يذهب إليه إلى أن يحمِّل النصوص ما لا تحتمل ويدعي فيها ما ليس هي دالة عليه والحمد لله رب العالمين.
[التعليق على حديث الولي]
حديث الولي قوله (كنت سمعه. . . بصره) كما قال الشيخ ليس ظاهره أن الله يصير عينا للإنسان أو يدا أو رجلا أو أذنا, وأن يصير متحدا بالمخلوق أو حالا فيه,
هذا معنى باطل لا يسبق إلى أذهان ذوي الفطر السليمة,
(كنت سمعه الذي يسمع به وبصره) يعني أصبح لا ينظر إلا بالله, لا ينظر إلا ما يحب الله منه النظر إليه, إلا ما أمره الله بالنظر إليه,
ولا يسمع إلا ما أمر الله باستماعه, ولا يبطش ولا يأخذ ...
فهو مطيع لربه جوارحه كلها خاضعة لله لا يتصرف في جوارحه إلا بأمر الله إستعانة وعبادة,
مستعينا بالله عابدا لله بسمعه وبصره ويده ورجله,
[التعليق على الحديث الثاني]
وهكذا الحديث الثاني ولله الحمد, (من تقرب إلي شبرا) تقرب إلي بالعبادة, العبد يتقرب إلى ربه, ويَقْرُب من ربه, لكن ليس هو القرب قرب الجسم للجسم وقرب يستلزم قطع المسافة, الأمر واضح,
(من تقرب إلي شبرا تقربت منه ذراعا ومن تقرب إلي ذراعا تقربت منه باعا) فالله يَقْرُب من عبده كيف شاء,
والعبد يقرب من ربه, قرب معنوي قرب روحي وسمو روحي, هو في مضجعه في منامه في مكانه لكن روحه عند ربه, بتوجهه إلى ربه كما قال سبحانه (واسجد واقترب) , (أقرب ما يكون العبد من ربه ساجد)
والله يقرب من عباده كيف شاء, ولهذ التحقيق إن القرب من الله قرب خاص, يعني ليس هناك قرب عام, فلا نقول إن الله قريب من جميع العباد كما نقول إنه معهم مع جميع العباد,
الأظهر أن القرب لم يأت إلا خاصا كما في هذا الحديث وفي قوله (إني قريب أجيب) فهو قريب من الداعين ومن العابدين,
[قوله هرولة]
وأما قوله (هرولة) جاءت في مقابل (أتاني يمشي)
فقوله (أتاني يمشي) لا تعني العبادة التي فيها المشي, هذه جاءت زيادة, (تقرب إلي شبرا) (تقرب إلي ذراعا) (ومن أتاني يمشي) يعني معناه أنه تقرب أكثر وأكثر, مسرع, يعني أتاني يمشي, عندي أنا أنه لا يختص بالعبادات التي تقتضي مشيا, بل تعم, العبرة بسير القلوب.
(أتيته هرولة) يعني مِثْلا بمثل, كما أنه ازداد تقربه إلى ربه فالله تعالى يزيده يعني أن يَقْرُب منه,
ولابد من مراعاة السياق, فلا يقال إن معنى أنه يأتي هرولة إن الله يركض, لا, هذا جاء في سياق معين يدل على أنه تعالى يقرب منه أكثر وأكثر,
¥