تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

قول، عليه وعلى آله الصلاة والسلام: «كأعراب المسلمين»، قصد به المسلمين الذين لم يتخذوا دار الإسلام مقر إقامة دائمية لهم، أي ما سمَّى في عرف عصرنا الحديث: «غير حملة التابعية». وكان هؤلاء في زمنه، عليه وعلى آله الصلاة والسلام، من الأعراب البدو، لا غير، أما الحواضر غير المدينة، فهي مكة وخيبر، فلم يكن فيها إلا قلة من المسلمين المستضعفين، أو أهل الأعذار ممن يجوز له الإقامة فيها، أو عابري سبيل، كما فصلناه في غير هذا المكان، أما سائر أهلها فكفار كانوا حرباً على الله ورسله، حتى تم فتحها. لذلك نقل الشارع الحكيم ألفاظ: «أعراب» و «التعرب» وغيرها من المشتقات من أصلها اللغوي الذي يرادف إلى حد بعيد ألفاظ: «البدو»، و «البداوة»، و «التبدي» إلى هذا المعنى الشرعي: «عدم حمل تابعية دار الإسلام».

هذه نقلة بعيدة من معنى حسي ساذج، إلى مفهوم «دستوري» عميق، لا عهد للعرب به، ولا قبل لهم باستيعابه، لذلك أشكل عليهم، وما زال يشكل على كثير من الناس حتى يومنا هذا، رغم أنه هو الواجب استخدامه، لأن العرف الشرعي مقدم على اصطلاح أهل اللغة كما هو مقرر في علم الأصول. والدليل على صحة قولنا هذا هو ما يلي:

? ما جاء في «المستدرك على الصحيحين»: أخبرني إسماعيل بن محمد بن الفضل بن محمد الشعراني ثنا جدي ثنا إبراهيم بن حمزة ثنا عبد العزيز بن حازم عن عبد الرحمن بن حرملة عن عبد الله بن نيار الأسلمي عن عروة بن الزبير قال سمعت عائشة، رضي الله تعالى عنها، تقول: أهدت أم سنبلة لرسول الله، صلى الله عليه وسلم، لبنا فدخلت علي به فلم تجده فقلت لها إن رسول الله، صلى الله عليه وسلم، نهانا أن نأكل طعام الأعراب فدخل رسول الله، صلى الله عليه وسلم، وأبو بكر فقال يا أم سنبلة ما هذا معك فقالت يا رسول الله لبن أهديته لك قال اسكبي يا أم سنبلة فناول أبا بكر ثم قال اسكبي يا أم سنبلة فتناول رسول الله، صلى الله عليه وسلم، فشرب قالت فقلت يا بردها على الكبد قالت عائشة يا رسول الله حدثتنا إنك نهيت عن طعام الأعراب فقال يا عائش إنهم ليسوا بأعراب هم أهل باديتنا ونحن أهل حاضرتهم، وإذا دعوا أجابوا، فليسوا بأعراب». قال الحاكم: [هذا حديث صحيح الإسناد ولم يخرجاه]، و قال الذهبي في التلخيص: صحيح.

ــ وفي «شرح معاني الآثار»: حدثنا الربيع بن سليمان الجيزي قال ثنا سعيد بن كثير بن عفير قال ثنا سليمان بن بلال عن عبد الرحمن بن حرملة نحوه. وفي مسند الإمام أحمد بن حنبل: حدثنا يحيى بن غيلان ثنا المفضل قال حدثني يحيى بن أيوب عن عبد الرحمن بن حرملة الأسلمي به.

ــ وهو في «الطبقات الكبرى» في ترجمة أم سنبلة، رضي الله عنها: [أم سنبلة المالكية اخوة أسلم من خزاعة أسلمت وبايعت رسول الله، صلى الله عليه وسلم، بعد الهجرة:

ــ أخبرنا محمد بن عمر حدثني عبد الله بن جعفر عن عبد الرحمن بن حرملة عن عبد الله بن نيار عن عروة بن الزبير عن عائشة زوج النبي، صلى الله عليه وسلم، قالت لما قدمنا المدينة نهانا رسول الله أن نقبل هدية من أعرابي فجاءت أم سنبلة الأسلمية بلبن فدخلت به علينا فأبينا أن نقبله فنحن على ذلك إلى أن جاء رسول الله معه أبو بكر فقال ما هذا فقلت يا رسول الله هذه أم سنبلة أهدت لنا لبنا وكنت نهيتنا أن نقبل من أحد من الأعراب شيئا فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «خذوها فإن أسلم ليسوا بأعراب هم أهل باديتنا ونحن أهل قاريتهم إذا دعوناهم أجابوا وإن استنصرناهم نصرونا؛ صبي يا أم سنبلة!»، فصبت، فقال ناولي أبا بكر فشرب، ثم قال صبي فصبت فشرب رسول الله، صلى الله عليه وسلم، ثم قال صبي فصبت فناوله عائشة فشربت فقالت عائشة: (وابردها على الكبد، كنت نهيتنا أن نأخذ من أعرابي هدية؟!)، فقال رسول الله، صلى الله عليه وسلم: «إن أسلم ليسوا بأعراب: هم أهل باديتنا ونحن أهل قاريتهم، إن دعوناهم أجابوا، وإن استنصرناهم نصرونا»].

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير