تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ثانيا: إن قول ابن عباس: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) فلا يلزم أن النبي صلى الله عليه وسلم أمرهم بعدم الاعتداد برؤية غيرهم، وليس أيّ منهما موجها إلى كل قوم في بلدهم على ما قرّره الشوكاني، كما أنه من جهة أخرى يمكن أنه أراد بقوله: (هكذا أمرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم) الحديث العام لا حديثا خاصا بهذه المسألة على ما أفاده ابن دقيق العيد (11) إذ المرفوع منه لا يفيد سوى مطابقة معناه لدليل الجمهور على التزام مطلق الرؤية، وما زاد عنه فهو محض اجتهاد منه لا يصلح حجة تخصص به الأدلة القاضية بتوحيد الرؤية وذلك لأن ابن عباس رضي الله عنهما لم يأت بلفظ النبي صلى الله عليه وسلم ولا بمعنى لفظه حتى يحكم بعمومه وخصوصه إنما جاء بصيغة مجملة أشار إلى قصة هي عدم عمل أهل المدينة برؤية أهل الشام على التسليم أن ذلك هو المراد، وأضاف الشوكاني يقول: "ولم نفهم منه زيادة على ذلك حتى نجعله مخصصا لذلك العموم، فينبغي الاقتصار على المفهوم من ذلك الوارد على خلاف القياس وعدم الإلحاق به" (12).

ثالثا: إن حديث ابن عباس رضي الله عنهما محمول على عدم تمكن أهل المدينة من العلم برؤية أهل الشام في رمضان وفي شوال كذلك فيستبقون على رؤيتهم، بمعنى أنه من صام على رؤية بلده ثم بلغه في أثناء رمضان أن الهلال رُئي في غير بلده قبل ذلك اليوم، ففي هذه الحالة يستمر في الصيام مع بلده حتى يكملوا الثلاثين أو يروا هلالهم، ويبقى ما عدا هذه الحالة على وجوب الصوم على المسلمين كافة عند تحقق مناط الحكم وهو مطلق الرؤية، أي أن يكون الحكم شاملا -بعد إخراج الحالة السابقة- كل من بلغه خبر رؤية الهلال من أي بلد أو إقليم من غير تحديد مسافة أصلا وبه ينتفي التعارض ويتم الجمع ويتحقق. هذا وقول ابن عباس رضي الله عنهما إن حمل على أنه مذهب الصحابي المشتهر الذي لم يعلم له مخالف من الصحابة، فإنما يصير إجماعا عند جماهير العلماء إذا لم يخالف نصا ثابتا، إذ المرفوع أولى من الموقوف مرتبة وحجة وعملا، كما يلزم منه أن يخالفه بعض الصحابة تطبيقا للنص العام الثابت القاضي بوجوب الصيام برؤية الهلال على عموم المخاطبين بمطلق الرؤية، وإن لم ينقل إلينا ذلك، وحينئذ لا يكون قول بعضهم حجة، إذ كلا القولين يحتمل الصواب، وعندئذ فالواجب التخير من أقوالهم بحسب الدليل ولا يجوز الخروج عنها.

ولو تمّ التسليم أن قول ابن عباس رضي الله عنهما اشتهر ولم يعرف له مخالف من الصحابة لكونه نطق بالصواب فأمسك بقية الصحابة عن الكلام في المسألة، فإن محل الإجماع إن تقرّر يرد على الاحتمال الأخير من حديث "كريب" الذي يتمثل فيمن صام على رؤية بلده ثم بلغه أثناء رمضان أن الهلال رُئي في غير بلده قبل ذلك اليوم، فيستمر في صيامه مع بلده حتى يكملوا الثلاثين أو يروا هلالهم، وبهذا التوجيه تجتمع الأدلة وتتحد الآراء.

أما استدلال تقي الدين السبكي بما يوميء أن ثمّة إجماعا قديما من الصحابة على اعتبار اختلاف المطالع فلم يرد ما يثبته، إذ لم ينقله إلينا أهل التواتر ولا أهل الآحاد، وكلا القسمين يحتاج إلى النظر من جهة النقل وثبوته، ومن جهة نوع الإجماع ومرتبته، لكن الإجماع المذكور ما هو في الواقع سوى استدلال عقلي على الإجماع بطريق اللزوم، وهذا الاستنتاج العقلي لا يقوى على مقابلة النصوص الثابتة، فضلا عن أنه لو كان ثابتا منعقدا لما اختلف الفقهاء بعده في هذه المسألة اختلافا ظاهرا، وجمهورهم على خلافه.

ولو سلمنا صحته وسلامة نقله لكان محمولا على الاحتمال الأخير توفيقا بين الأدلة ودفعا للتعارض جريا على قاعدة:" الجمع أولى من الترجيح".

أما الاستدلال بالإجماع الذي نقله ابن عبد البر رحمه الله في عدم مراعاة الرؤية فيما أخر من البلدان كالأندلس من خراسان، وكذلك كل بلد له رؤيته إلا ما كان كالمصر الكبير وما تقاربت أقطاره من بلاد المسلمين (13)، فقد تعقب الشوكاني دعوى الإجماع في "النيل" (14) بقوله: .

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير