تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

عدّ إيكو ([ vii]) (U.Eco) الحقول التي يتضمنها السيمياء، وما يدخل تحت نطاقها، فجاءت على نحو: علامات الحيوانات، علامات الشم، الاتصال بواسطة اللمس، مفاتيح المذاق، الاتصال البصري، أنماط الأصوات والتنغيم

( Intonation)، التشخيص الطبي، حركات وأوضاع الجسد، الموسيقى، اللغات الصورية، اللغات المكتوبة، الأبجديات المجهولة، قواعد الآداب، الايديولوجيات، الموضوعات الجمالية والبلاغة .. وهي بجملتها مواضيع تمت إلى السيمياء بصلة كبيرة.

برزت الدراسات السيميائية، بالنظر إلى المراجع، منذ ما يقارب منتصف القرن التاسع عشر وبداية القرن العشرين، وذلك أن دوسوسير (1857 - 1913م) ([ viii]) وبيرس (1839 - 1944م) كانا من مؤسسيها. ثم استمرت في النمو والازدهار، ولما تزل حركتها ناشطة، ودراساتها مشعبة… وقد رددت المراجع تاريخ نشأتها المذكور، جاء في أحدها: ((إن محاولة تأسيس نظرية موحدة شاملة للعلامات لم تقم إلا في أوائل القرن العشرين على يد الفيلسوف الأميركي بيرس ( Pierce) من جهة، والعالم الألسني السويسري دوسوسير ( De Saussure) من جهة أخرى .. )). وفي المرجع نفسه، ورد مثل القول المتقدم: ((من الستينات ومجال علم السيمياء يُظهر نشاطاً متزايداً على كافة الصعد. ففي أكثر من بلد أخذت تتألف جمعيات

تُعنى بهذا العلم، أقدمها الجمعية

الدولية للدراسات السيميائية (1969)

( International Association For Semiotic Studies)..))([ix]). وكذلك ورد في المراجع الأجنبية ما يصب في الخانة نفسها. قال غيرو ( Guiraud): (( هكذا نشأت منذ بداية هذا العصر –القرن العشرين- النظرية العامة للعلامات)) ([ x]).

والقراءة المتأنية للتحديدات الزمانية التي تخصّ نشأة العلامات أو السيمياء تقرّ بأن علماء العربية وسواهم لم يعرفوا مثل الدراسات المذكورة، يترتب عليه أن التعبير بالعلامات ضرب من الوهم، ومعه تسقط مصداقية الكتاب. ولكن الغوص عميقاً في بطون مصادر النحو والبلاغة والفلسفة العربية، وسبر أعماقها والوصول إلى أبعد غور فيها، يبدل وجه الأقوال السابقة، ويظهر الحقيقة بأجلى حلتها.

لقد عرفت الحضارة العربية علم العلامات، ومارسه الناس في حياتهم، واعتمدوا عليه في اتصالاتهم، قبل أن يقعدوا قواعده، ويضعوا أصوله. من طليعة تبليغهم بالعلامات ما ورد في حديث أبي بكر حين عهد إلى عمر (رضي الله عنهما) بالخلافة، قال: ((كُلُّكُم ورِمَ أنْفُهُ)) ([ xi])، أي اغتاظ؛ لأن المغتاظ يورم أنفُهُ ويَحْمَر. فقد عبر أصدق تعبير، وأكثره لياقة عما أصاب الحاضرون من حسد وغيرة عن طريق ما علت أنوفهم من احمرار… وهي لفظة إشارية تحكي الواقع بصدق ويقين.

ومن الممارسة العملية-الطبيعية، إلى رحاب الدراسات الجادة المنهجية، تطل دراسة الجاحظ (ت 255هـ/869م) التي تعتبر بحقّ بحثاً سيميائياً أصيلاً. قال في باب البيان: ((والبيان اسمٌ جامع لكل شيء كشف لك قناع المعنى، وهتك الحجاب دون الضمير، حتى يُفْضي السامع إلى حقيقته، ويهجم على محصوله كائناً ما كان ذلك البيان، ومن أيَّ جنس كان الدليل، لأن مدار الأمر والغاية التي يجري القائل والسامع، إنما هو الفَهْم والإفهام، فبأي شيء بلغتَ الأفهامَ وأوضحت عن المعنى، فذلك هو البيان في ذلك الموضع)) ([ xii]). ولما كان الهدف عند الجاحظ ((إنما هو الفهم والإفهام))، وهو يحتاج إلى علامات تنقله ((فبأي شيء بلِّغْتَ الأفهام وأوضحت عن المعنى))، برزت عنده العلامات التي تنقل المعنى. وهي تدور ما بين لفظ وغير لفظ، قال الجاحظ معدداً العلامات والإشارات التي تدل على المعاني: ((وجميع أصناف الدلالات على المعاني من لفظ وغير لفظ، خمسة أشياء لا تنقص ولا تزيد: أولها اللفظ ثم الإشارة، ثم العَقْد ثم الخط ثم الحال التي تسمى نِصْبةً)) ([ xiii]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير