أرجو أن تدقق فيما كتبته وسأكتبه، وألا تستعجل في الرد من أجل الرد!
وهذا أوان التوضيح (وأرجو أن تتأمله حين الفراغ)!
أما دليلي الثاني فذكرت لك كلام ابن الصلاح _ وقد تبعه على ذلك النووي وغيره _، وذكرت لك أيضاً كلام السخاوي في هذه المسألة وأن أهل العلم ممن ألف في المصطلح لم يخالفوا في ذلك البتة! فمن تريد غير هؤلاء؟!
ثم إن كلام ابن الصلاح _ومن تبعه _ والسخاوي موافق لما قلته أنا تمام الموافقة (في أن حافظ تدل على تمام الضبط).
وقد أبنت في هذا الموضع خطأك الواضح! في استدلالك بكلام ابن الصلاح والسخاوي، وأراك قد حدت عنه!!!
وأنا أطالبك بالإجابة على هذه النقطة بالذات!
أما دليلي الثالث فالأمثلة فيه أكثر من أن تحصر!، وقد ذكرت بعضها، ولكن المهم في هذا الدليل هو كيف استدللت به على قولي! وأراك لم تجب عنه!
أما دعواك في وجود التناقض، فإليك كشف ما التبس عليك!
فأقول: إن (حافظ) تعني في اللغة من يستظهر محفوظه.
والعلاقة بين هذا المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي الذي ذكرته واضح تمام الوضوح.
إلا أن المحدثون قد يريدون بقولهم (حافظ) من يستظهر محفوظه لكنه إذا استظهر ما يحفظه أخطأ ووهم، أي أنه يحفظ ولكنه يخطئ، وإذا أرادوا هذا المعنى فإنهم يقيدون ولا يطلقون!
يعني لا يقولون للراوي الذي يحفظ ويخطئ ويهم في محفوظاته: (حافظ) فقط.
ولكن يقيدون (حافظ)، فيقولون (حافظ يخطئ أو له أوهام ونحو ذلك).
فأنت ترى وجود علاقة أيضاً بين المعنى اللغوي والمعنى الاصطلاحي، فهذا الراوي يحفظ ولكنه إذا أراد استظهار ما حفظه أخطأ.
ولهذا ينبغي أن يتنبه إلى طريقة المحدثين في هذه المسألة فإنها تفيد في فهم ما سبق، وهو:
إطلاقهم (حافظ) على الثقة دون تقييد، وقولهم عن الراوي الذي كثرت محفوظاته مع ضعف في حفظه (حافظ يخطئ أو له أوهام) أي مع التقييد، فماذا يفيد صنيعهم هذا؟
أقول: يستفاد من ذلك أن لفظة (حافظ) عندهم تدل على تمام الضبط، إذ لو لم تدل على ذلك لم يطلقوها لوحدها!، بل لذكروا معها ما يدل على أن مرادهم هو قوة الضبط.
فلما كان المعنى اللغوي لـ (حافظ) يدل على تمام الضبط كما نقلته لك عن أهل اللغة، اكتفوا بإطلاقها في حق الثقات _ وقد نقلت لك أمثلة على ذلك _.
وإذا قالوا عن راو فيه ضعف (حافظ) فإن العلاقة بين المعنيين اللغوي والاصطلاحي موجودة أيضاً كما بينته لك، لكنها أضعف من الأول. ولذا تجدهم يقيدون (حافظ) في حق الضعفاء!
لكن من يقول _ وهو قول الشيخ طارق _ إن المحدثين يطلقون (حافظ) على من يكثر من السماع والإسماع!، فأين وجه العلاقة بين المعنى اللغوي وبين هذا المعنى الاصطلاحي الذي يذكره؟!
كيف تقول عن راو أكثر من السماع أو من الكتابة: أنه حافظ!
ما الشيء الذي حفظه حتى نقول عنه: حافظ؟!
ولهذا أنبهك لخطأ وقعت فيه حين قلت: ( ... كثرة السماع أي المحفوظ)!!
فهناك فرق بين السماع والحفظ.
فهل من سمع وأكثر من السماع نقول عنه حافظ؟!
فالذي نفيته هو وجود علاقة بين المعنى اللغوي (وهو الاستظهار) وبين المعنى الاصطلاحي الذي ذكره الشيخ طارق وهو كثرة السماع. فتنبه!!
وأما دعواك عن التناقض الثاني فهو أعجب من الأول!
فأنا قلت أن الأصل في قولهم (حافظ) هو تمام الضبط، إلا أن هذا الأصل قد يشذ عنه بقرائن، فكما تعلم _ ويعلم كل طالب علم _ أن لكل قاعدة شواذ، وما أكثر ذلك عند أهل الحديث.
فأين التناقض!!! ولا أدري من المتناقض؟!!
ومما يبين لك هذا المعنى ويوضحه ويقربه: ما كتبه الشيخ طارق نفسه، في نفس كتابه، في قول المحدثين (ثقة) وقولهم (صدوق)
فإنه قال إن المحدثين قد يطلقونها ويريدون بها إثبات العدالة لا أكثر، وهذا يعلم بالقرائن، وقد سبقه إلى هذا المعلمي في التنكيل. فهل هذا من التناقض!!
ثم لو أردت استعمال طريقة الشيخ طارق في عدم دلالة (حافظ) على الضبط باستدلاله أن المحدثين يطلقونها ويضعفون الراوي، فأقول له ولك أيضاً (وهذا من باب المحاججة لا التقرير)!:
إن قولهم ثقة أو صدوق أيضاً لا تدل على التوثيق!
لأن المحدثين يطلقونها أحياناً ويريدون بها إثبات العدالة، فلا بد من قرينة حتى نعلم أن مقصدهم هو التوثيق لا إثبات العدالة!!
وأخيراً:
¥