تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

وقال الإمام الصنعاني: (فيحمل حديث جرير على أن المراد صنعة أهل الميت الطعام لمن يدفن منهم ويحضر لديهم، كما هو عُرفُ بعض أهل الجهالات.) (17)

الدليل الثاني:

حينما وفد جرير بن عبدالله البجلي رضي الله عنه على عمر بن الخطاب رضي الله عنه فقال له: (هل يُناحُ على ميتكم؟ قال: لا، قال: فهل تجتمعون عند أهل الميت وتجعلون الطعام؟ قال: نعم، قال: ذلك النوح).

أخرجه ابن أبي شيبة في المصنف: كتاب الجنائز: باب ما قالوا الإطعام عليه و النياحة (3/ 175).

أخرجه سعيد بن منصور في سننه، واللفظ له. كما في الفتح الرباني للشيخ أحمد البنا (8/ 95)

الدليل الثالث:

ما رواه عبدالرحمن بن مهران: أن أبا هريرة رضي الله عنه قال حين حضرهُ الموتُ: (لا تضربوا على فُسطاطاً، و لا تتبعوني بمجمر، وأسرعوا بي؛ فإني سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: (إذا وضع الرجلُ الصالح على سريره قال: قدموني قدموني، و إذا وضعَ الرجل السوء على سريره قال: يا ويله أين تذهبون بي؟).

أخرجه الإمام أحمد: في مسنده (2/ 292 رقم 7896).

قال الشيخ أحمد بن عبدالرحمن البنا معلقا على هذا الحديث الصحيح: (وفيه أنه لا يجوز نصبَ فسطاط كالسرادق و الخيمة ونحو ذلك لأجل اجتماع الناس فيه للتعزية، و لا اتباع الجنازة بنار فإن ذلك من عوائد الجهال و من لا دين لهم ومما نهى الشرع عنه وذم فاعله، ومع ذلك فلا تزال هذه العادة باقية عند الناس إلى الآن فلا حول ولا قوة إلا بالله.) (18)

وهنا ينبغي للمسلم أن يأخذ بالدليل، ويتق الله تعالى في ذلك، ويلتزم بهدي النبي صلى الله عليه وسلم.

قال الإمام العلامة ابن القيم: (وكان من هديه صلى الله عليه وسلم تعزية أهل الميت، ولم يكن من هديه أن يجتمع للعزاء ويقرأ له القرآن لا عند قبره ولا غيره، وكل هذا بدعة حادثة مكروهة.) (19)

وقد مرَّ معنا قول الإمام أبو بكر الطرطوشي المالكي: (قال علماؤنا المالكيون: التصدي للعزاء بدعة مكروهة، فأما إن قعد في بيته أو في المسجد محزونا من غير أن يتصدى للعزاء فلا بأس به؛ فإنه لما جاء النبي صلى الله عليه وسلم نعي جعفر جلسَ في المسجد محزونا وعزاه الناس).

و مرَّ أيضا قول الإمام السيوطي في شرح التنبيه: (ويكره الجلوس لها - أي للتعزية - بأن يجتمع أهل الميت في بيت ويقصدهم لأنه بدعة).

و أما قول القائل: (أما ما نراه من جلوس المعزين لقراءة القرآن أو الاستماع إليه، فلم نر من نص على كراهته، بل الدليل يشير إلى ندبه).

فأقول قد مر معنا كلام الإمام ابن القيم، وإليك نصا آخر كي تتأنى في كلامك قبل أن تتسرع في إصدار أحكامك.

قال الإمام محمد أمين بن عابدين: (قلتُ: وهل تنفي الكراهة بالجلوس في المسجد و قراءة القرآن حتى إذا فرغوا قام ولي الميت وعزاهُ الناس كما يفعل في زماننا هذا؟ الظاهر لا؛ لكون الجلوس مقصودا للتعزية لا للقراءة، ولا سيما إذا كان هذا الاجتماع و الجلوس في المقبرة فوق القبور المدثورة.) (3)

وقال الشيخ أحمد بن عبدالرحمن البنا: (فما يفعله الناس الآن من الاجتماع للتعزية، وذبح الذبائح، وتهيئة الطعام، ونصب الخيام، والقماش المزخرف بالألوان، وفرش البسط وغيرها، وصرف الأموال الطا ئلة في هذه الأمور المبتدعة التي لايقصدون بها إلا التفاخر و الرياء ليقول الناس فلان فعل كذا و كذا، و أنفق كذا وكذا في مأتم أبيه مالا، كله حرام مخالف لهدي النبي صلى الله عليه وسلم وهدي السلف الصالح من الصحابة و التابعين، ولم يقل به أحد من أئمة الدين، نسأل الله السلامة.) (15)

و بعد أن ذكر الإمام النووي - كراهة جلوس أهل الميت للتعزية - قال: (وهذه الكراهة كراهة تنزيه إذا لم يكن معها مُحدث آخر، فإن ضُمَّ إليها أمر آخر من البدع المحرمة - كما هو الغالب منها في العادة - كان ذلك حراما من أقبح المحرمات فإنه مُحدث، وثبت في الحديث الصحيح: {إن كل كل محدث بدعة، وكل بدعة ضلالة) ... أهـ) (20)

هذا ما تيسر لي جمعه مما توفر بمكتبتي من كُتب أهل العلم، ولله الحمد و الفضل والمنة.

وأسأل الله أن يهدينا إلى الصراط المستقيم و أن يهدي ضال المسلمين، وأن يرزقنا كلمة الحق في الغضب و الرضى.

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير