كثير من العلماء.
ومما يلفت النظر أنني لم أجد أحدا من أهل الحديث، أو غيرهم، لا في القديم، ولا في الحديث – حسب اطلاعي وبحثي - أعل هذا الحديث بعنعنة هشيم، وهي علة ظاهرة، يعرفها صغار طلبة علم الحديث.
فهل يحق لقائل أن يقول: أن هذه العلة في هذا الحديث خفيت على من صحح حديث جرير من العلماء، فلا غرابة أن يأتي من بعدهم من يظهرها ويعل الحديث بها؟!
أقول: لا يجرؤ على هذا من احترم عقله، وأنزل نفسه منزلتها، وعرف لأهل العلم قدرهم وفضلهم وسعة علمهم، خاصة وأن من العلماء الذين صححوا الحديث بعض الحفاظ الذين نخلوا السنة، وميزوا بين صحيحها، وسقيمها كالحافظ ابن كثير، والبوصيري – رحمهما الله -، ومن المتأخرين العلامة أحمد شاكر، والعلامة الألباني – رحمهما الله -.
وقد رأيت من أغمار هذا العصر أتباع كل ناعق، مَن طعن في حديث جرير هذا بعنعنة هشيم، ولم يذكر سلفه في ذلك، وفي ظني أن هؤلاء الأقوام المفتئتين على علم الحديث ليسوا بحاجة – زعموا - لسلف في ذلك؛ لأن العلة ظاهرة بينة، وإن خالفهم في ذلك علماء الأمة؟!
ورأيت بعضهم أكثر التهويش على من صحح حديث جرير؛ بما جاء عن الإمام أحمد، والحافظ الدارقطني – رحمهما الله – في نقد بعض طرق الحديث عن هشيم والجواب عن ذلك سيأتي بعد عرض كلامهما – إن شاء الله -:
1 - قال الإمام أبو داود – رحمه الله -: (ذكرت لأحمد حديث هشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير كنا نعد الاجتماع ... قال زعموا أنه سمعه من شريك. قال أحمد وما أرى لهذا الحديث أصلا) مسائل أبي داود ص292.
توجيه كلام الإمام أحمد - رحمه الله -
1 توجيه كلام الإمام أحمد - رحمه الله -
قلت: الظاهر من سياق الكلام أن الإمام أحمد أراد بقوله: (وما أرى لهذا الحديث أصلا) أي من حديث شريك وذلك لما يلي:
1 - أن الحديث فعلا ليس له أصل من حديث شريك، أشار إلى ذلك الإمام أبو داود في قوله (زعموا) وسيأتي في الجواب عن كلام الحافظ الدارقطني – رحمه الله – إن شاء الله – أن الراوي الذي زاد شريكا في الإسناد راو كذاب يزيد في الأسانيد كما نص على ذلك الأئمة.
2 - أن الإمام أحمد أخرج الحديث في مسنده وعزاه له جمع من العلماء فكيف يقول لا أصل له ويخرجه في مسنده؟!
ولست أعني أنه لا يوجد في مسند الإمام أحمد ما لا أصل له؛ لأنه لا قبل لي بذلك، وإنما ذلك للجهابذة من أهل هذا الفن.
قال السيوطي – رحمه الله -: (وقال شيخ الإسلام في كتابه تعجيل المنفعة: في رجال الأربعة: ليس في المسند حديث لا أصل له إلا ثلاثة أحاديث أو أربعة، منها حديث عبد الرحمن بن عوف، أنه يدخل الجنة زحفا قال: والاعتذار عنه أنه مما أمر أحمد بالضرب عليه فترك سهوا، أو ضرب وكتب من تحت الضرب) [تدريب الراوي:1/ 188/ ط مكتبة الكوثر، ط دار الكتب العلمية: 1/ 173]
3 - أن هذا الحديث لم يذكر ضمن الأحاديث التي انتقدت في مسند الإمام أحمد – رحمه الله –.
4 - أن من بين العلماء الذين صححوا الأثر، واستدلوا به جمع من علماء الحنابلة، وعزاه بعضهم إلى مسند الإمام أحمد – رحمه الله –، دون أي تردد أو تشكيك كمجد الدين ابن تيمية، وشيخ الإسلام ابن تيمية، وابن مفلح، والمنبجي – رحمهم الله –، وغيرهم من متأخري الحنابلة؛ فمن المستبعد أن يكون إنكار الإمام أحمد – رحمه الله – لأصل الحديث، ولا تجد من ينقل كلامه عند الكلام على هذا الحديث؟!
هذا ما ظهر لي في توجيه كلام الإمام أحمد – رحمه الله – فإن كان صوابا فمن الله وإن كان غير ذلك فأسأل الله العفو والغفران.
2 - قول الحافظ الدارقطني – رحمه الله -: (وسئل عن حديث قيس عن جرير قال كانوا يرون الاجتماع إلى أهل الميت وصنع الطعام من النياحة.
فقال: يرويه هشيم بن بشير، واختلف عنه فرواه شريح ابن يونس، والحسن ابن عرفة عن هشيم عن إسماعيل عن قيس عن جرير، ورواه خالد بن القاسم المدائني قيل ثقة قال لا أضمن لك هذا جرحوه عن هشيم عن شريك عن إسماعيل، ورواه أيضا عباد ابن العوام عن إسماعيل كذلك) العلل (4/ق 139 بترقيمي).
توجيه كلام الحافظ الدارقطني - رحمه الله -
1 توجيه كلام الحافظ الدارقطني - رحمه الله -
أقول: نستفيد من كلام الحافظ الدارقطني – رحمه الله - أمور:
¥