تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

فأجاز الشافعية والحنابلة الضبة اليسيرة في الإناء إذا كانت من فضة، وكانت قليلة، لحاجة، والمراد بالحاجة أن يتعلق بها غرض غير الزينة، وإن كان غيرها يقوم مقامها ([37]). فإذا ضبب الإناء تضبيبا جائزا فله استعماله مع وجود غيره من الآنية التي لا فضة فيها ([38]). قال النووي: وهذا لا خلاف فيه، صرح به إمام الحرمين وغيره ([39]). قال شيخ الإسلام ابن تيمية: (معنى الحاجة أن يحتاج إلى تضبيب الإناء سواء كانت الضبة من فضة أو حديد أو نحاس فأما إن احتيج إلى نفس الفضة بأن لا يقوم غيرها مقامها فتباح وإن كان كثيرا و لو كان من الذهب) ([40]). قال البهوتي: (فإن هذه ضرورة تبيح المنفرد) ([41]).

القول الثاني: يحرم التضبيب بالفضة؛ على الصحيح من مذهب المالكية ([42]). (قال الإمام مالك في العتبية لا يعجبني أن يشرب فيه إذا كانت فيه حلقة فضة أو تضبب شعبه بها وكذلك المرآة تكون فيها الحلقة من الفضة لا يعجبني أن ينظر فيها الوجه) ([43]). وحمل الباجي قول مالك لا يعجبني على المنع، وقال عياض كله مكروه. وقال ابن رشد التضبيب والحلقة كالعلم من الحرير، مالك يكرهه، وأجازه جماعة من السلف، وعن عمر أنه أجازه على قدر الأربع أصابع ([44]).

حكم التضبيب بالذهب: للفقهاء في التضبيب بالذهب قولان:

القول الأول: يحرم التضبيب بالذهب في الأصح من القولين عند المالكية ([45]). والصحيح من مذهب الشافعية والحنابلة سواء كثرت الضبة أو قلت، لحاجة أو لزينة. وعليه أكثر أصحاب المذهبين ([46]). وقال أبو يوسف بكراهته [والمراد بها التحريم] ([47]).

القول الثاني: أجاز أبو حنيفة تضبيب الإناء بالذهب، وهو قول مرجوح في مذهب المالكية، وأحد الطريقين في مذهب الشافعية. وقول مرجوح في مذهب الحنابلة، أنه لا يحرم إذا كان قليلاً، وقيل لا يحرم لحاجة ([48]).

فقد استثنى أبو حنيفة من المنع الإناء المضبب بذهب أو فضة، والكرسي المضبب بهما، كما لو جعله في نصل سيف و سكين، ولم يضع يده موضع الذهب أو الفضة. وهو قول محمد ذكره في الموطأ. وقال أبو يوسف بالكراهة في الكل وقال المرغيناني وابن عابدين قول محمد يروى مع أبي حنيفة، ويروى مع أبي يوسف ([49]). (وجه قول أبي يوسف إن استعمال الذهب حرام بالنص وقد حصل باستعمال الإناء فيكره. وجه قول [أبي حنيفة ومحمد] إن هذا القدر من الذهب الذي عليه هو تابع له، والعبرة للمتبوع دون التابع كالثوب المعلم والجبة المكفوفة بالحرير. وعلى هذا الخلاف الجلوس على السرير المضبب والكرسي والسرج واللجام والركاب والثفر ([50]) المضببة. وأما السيف المضبب والسكين فلا بأس به بالإجماع وكذا المنطقة المضببة) ([51]). و المراد إجماع الحنفية.

وقال بجواز استعمال الإناء المضبب بالذهب من الشافعية؛ الخراسانيون،

وأكثر الشافعية، وقالوا: إنه كالمضبب بالفضة على الخلاف والتفصيل المذكور فيه لأنه لما استويا في الإناء فكذا في الضبة ([52]). قال الرافعي: لكن معظم العراقيين قالوا: سواء كانت الضبة على شفة الإناء بحيث تلقى فم الشارب أو في موضع آخر. قال: (وهو أوفق للمعنى) ([53]).

وحد الكثرة قيل ما استوعب أحد جوانب الإناء، وقيل ما لمع من بعد، وقيل ما عد كثيرا عرفا. وهو الراجح عند الحنابلة، وكثير من الشافعية ([54]).

أما الصورة التي ذكرنا جوازهاـ وهي الضبة اليسيرة للحاجة فهي محل إجماع. قاله شيخ الإسلام ابن تيمية والنووي والمرداوي ([55]). قال المرداوي بعد أن حكاها: (ولا خلاف في جواز ذلك بل هو إجماع) ([56]).

لكن يعكر على هذا الإجماع ماروي عن الإمام مالك رحمه الله أنه لا يعجبه الشرب في الإناء المضبب بالفضة. ولعله لا يرى في حديث أنس حجة؛ لاحتمال أن الذي سلسل القدح هو أنس، بعد زمن رسول الله e وبعد وفاة أبي طلحة t ([57]) .

ويمكن الإجابة على هذا بحديث أنس بن مالك tالثابت في الصحيحين وغيرهما (أن قدح النبي e انكسر فاتخذ مكان الشعب سلسلة من فضة قال عاصم رأيت القدح وشربت فيه) ([58]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير