فظاهره أن الذي سلسله رسول الله e . وإذا كان الذي سلسه أنس ففعل الصحابي الذي من هذا النوع ملحق بقوله وقول الصحابي حجة عند الإمام مالك ([59])؛ فيكون تضبيب القدح من أنس t على فرض أنه هو الذي ضببه حجة عند الإمام مالك؛ لأن تضبيب القدح مقصود؛ فلا يتطرق إليه الخطأ والنسيان من الصحابي.
وما نقله العلماء من إجماع لعله بناء على ما تقرر من قول الإمام مالك إذا صح الحديث فهو مذهبي. وحيث إن أحاديث تضبيب قدح رسول الله e صحيحة؛ فإنها تكون حينئذ مذهبا للإمام مالك. أو لعل الإجماع بعد عصر الإمام مالك.
ويقيد أبو حنيفة الجواز إذا كان يتقي موضع الفم؛ فلا يضع فمه على الفضة، وقيل وموضع اليد في الأخذ أيضا، وفي السرير والسرج موضع الجلوس؛ فالمراد الاتقاء بالعضو الذي يقصد الاستعمال به؛ ففي الشرب لما كان المقصود الاستعمال بالفم اعتبر الاتقاء به دون اليد ([60]).
ومن الشافعية من قال يحرم مباشرة الضبة عند الشرب، وقال الحنابلة تكره مباشرتها لغير حاجة ([61]).
ومعنى مباشرتها أنه إذا أراد أن يشرب في هذا الإناء المضبب شرب من الجهة التي عليها الفضة، فيضع شفتيه على الفضة.
والذي يرجحه الباحث عدم جواز تضبيب الإناء بالذهب وكذلك جميع ما أورده بعض الفقهاء مثل الكرسي والسرج واللجام و الثفر وسكين المقلمة؛ لأن التضبيب بالذهب باقٍ على أصل المنع. إلا السيف وجميع أنواع السلاح التي يناسب تضبيبها؛ لحديث مزيدة قال: دخل رسول الله e يوم الفتح وعلى سيفه ذهب وفضة. قال الترمذي: حديث حسن غريب ([62]). وبقية السلاح مقيس على السيف؛ للاشتراك في العلة؛ وهي إرهاب العدو وإغاظته.
أما التضبيب بالفضة فيرجح جوازه؛ لأنه استثني من المنع بحديث تضبيب قدح رسول الله eبالفضة. ونرى جوازه بها للحاجة؛ لأن قدح رسول الله eلم يضبب بالفضة إلا عندما احتاج لذلك؛ وهو انصداعه. والمراد بالحاجة أن يكون هناك داع لتضبيب القدح. فييجوز تضبيبه بالفضة ولو سد غيرها مسدها. وأرجحها سواء كانت صغيرة أوكبيرة. وأن مباشرة الضبة ليست مكروهة، و لا محرمة. سواء مباشرتها بالفم، أو باليد فيما يقبض، أو الجلوس فيما يجلس عليه، ونحوه من الاستعمالات؛ لأن الحرام، والمكروه، حكمان شرعيان لا يثبتان إلا بدليل شرعي؛ ولأن حديث تضبيب قدح رسول الله صلى الله e لم يرد فيه ولا في غيره أن رسول الله e كان يتجنب مباشرة الضبة عند شربه من القدح.
إذا شرب بكفه وفيها خاتم فضة.
قال الشافعية لو شرب بكفيه وفي أصبعه خاتم فضة لم يكره، وكذا لو صب الدراهم في إناء وشرب منه أو كان في فمه ذهب أو فضة سواء كانت أسنانه ملبسة أو مشدودة بأيٍّ منهما، أو كان في فمه من غير حاجة فشرب لم يكره ([63]). وقال الحنفية: ولا بأس بأن يشرب من كف في خنصرها خاتم ذهب ([64]).
والذي يظهر للباحث أن مقتضى أقوال الفقهاء الآخرين لا تمنع جواز ذلك؛ لأن الممنوع الشرب و الأكل في إناء الذهب والفضة والخاتم ليس إناءً؛ ولأنه ثبت في صحيح مسلم أن الرسول e لبس خاتم فضة في يمينه فيه فص حبشي كان يجعل فصه مما يلي كفه ([65]). وحيث إنه يأكل بيمينه والخاتم فيها، فدل هذا على جواز الأكل والشرب بالأيدي وفيها خاتم الفضة وكذلك جواز شرب المرأه باليد وفيها خاتم الذهب. ولأن بعض الصحابة وكثير من التابعين شدوا أسنانهم بالذهب فدل على جواز الشرب والأكل وفي فم الشارب والآكل شيْ من الذهب.
? المبحث الثاني: حكم شراء أواني الذهب والفضة للاستعمال
بناء على حرمة استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل و الشرب فإنه يحرم بيعها، و شراؤها عند الحنفية والمالكية والحنابلة ([66]). إذا كان الشراء لغرض الاستعمال؛ لأن ما حرم استعماله حرم شراؤه. جاء في المدونة: (كان مالك يكره هذه الأشياء التي تصاغ من الفضة والذهب مثل الأباريق، وكان مالك يكره مداهن الفضة والذهب و مجامر الذهب والفضة سمعت ذلك منه والأقداح و اللجم والسكاكين المفضضة وإن كانت تبعا لا أرى أن تشترى) ([67]). والإمام مالك رحمه الله يعبر عن الحرام بالكراهة ([68]). وقد نص الحنابلة على أنه لا يجوز بيع ما فيه منفعة محرمة ([69]).
¥