أما الشافعية فيصح عندهم شراء أواني الذهب والفضة ما لم ينص في العقد على الاستعمال؛ وذلك بناء على عدم اشتراط مشروعية السبب عندهم ([70]). وقد نص النووي، والقاضي أبو الطيب من الشافعية على صحة بيع أواني الذهب والفضة ([71]).
والراجح عندي مذهب الجمهور وهو حرمة بيع وشراء أواني الذهب أو الفضة؛ إذا كان الشراء لغرض الاستعمال لقوله تعالى (وتعاونوا على البر والتقوى ولا تعاونوا على الإثم والعدوان) ([72])؛ وبيع وشراء الأواني الذهبية والفضية، أو صناعتها، أو الإجارة على إصلاحها، ونحوه، لغرض استعمالها في الأكل، أو الشرب، كل ذلك من التعاون على الإثم ولأن الله سبحانه وتعالى إذا حرم شيئا حرم الوسائل والذرائع المؤدية إليه، والمعينة عليه. قال ابن القيم رحمه الله: (لما كانت المقاصد لا يتوصل إليها إلا بأسباب وطرق تفضي إليها كانت طرقها وأسبابها تابعة لها معتبرة بها، فوسائل المحرمات والمعاصي في كراهتها والمنع منها بحسب إفضائها إلى غاياتها وارتباطها بها …فوسيلة المقصود تابعة للمقصود، فإذا حرم الرب تعالى شيئا وله طرق ووسائل تفضي إليه، فإنه يحرمها ويمنع منها، تحقيقا لتحريمه، وتثبيتا له، ولو أباح الوسائل والذرائع المفضية إليه لكان ذلك نقضا للتحريم، وإغراء للنفوس به، وحكمته تعالى وعلمه يأبى ذلك كل الإباء) ([73]).
أما إذا كان شراء الأواني الذهبية والفضية لا لاستعمالها فيترجح عندي جوازه، والدليل على ذلك ما ذكره أبو الأشعث من حديث عبادة بن الصامت، قال غزونا غزاة وعلى الناس معاوية فغنمنا غنائم كثيرة فكان فيما غنمنا آنية من فضة فأمر معاوية رجلاً أن يبيعها في أعطيات الناس فبلغ عبادة فقام فقال:إني سمعت رسول الله e ينهى عن بيع الذهب بالذهب والفضة بالفضة. . إلا سواء بسواء عينا بعين فمن زاد أو ازداد فقد أربى ([74]).
قال ابن رجب: (وحمل إنكار عبادة على ما كانت صياغته محرمة لأنه إنما أنكر بيع الأواني لا الحلي المباح) ([75]).
و قول ابن رجب لأن عبادة إنما أنكر بيع الأواني. غير مسلم؛ فعبادة tلم ينكر بيع الأواني، وإنما أنكر التفاضل وعدم التقابض؛ بدليل قوله إلا سواء بسواء، عينا بعين. فالأثر دال على جواز بيع أواني الذهب والفضة. ولما كان استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب محرما بالأحاديث الصحيحة التي سبق إيرادها؛ فإنه حينئذ لابد من حمل جواز شراء آنية الفضة المذكورة في الحديث على اقتنائها، أو استعمالها في مباح؛ كتحويلها إلى غير آنية. وأما المنع من بيعها إذا كانت تستعمل فيما لا يجوز استعمالها فيه فإنه مأخوذ من عموم الأدلة الأخرى التي سبق بيانها، لا من أثر عبادة ولأن ما يحرم استعماله يحرم بيعه وشراؤه للغرض المحرم.
وكذلك يحرم الاستئجار على صياغة أواني الذهب والفضة إذا كانت بقصد الاستعمال. وكذلك إذا كانت بقصد الاتخاذ عند من يحرمه. ويجوز ذلك عند من يرى جواز اتخاذها.
فعند من يجوّز استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب، أو اتخاذهما، أو استعمال المموه بهما ونحوه يجوّز بيعها، وشراءها، والاستئجار على صياغتها. ويقع الضمان على من كسرها، أو أتلف صنعتها.
وعند من يحرّم استعمالها يحرّم ذلك كله. و لا يجب الضمان على من أتلف الصنعة، ويجب على من أتلف العين عند الجميع في كلتا الحالتين. وفي رواية عن الإمام أحمد يضمن الصنعة أيضا ([76]).
h الفصل الثاني: استعمال أواني الذهب أو الفضة في غير الأكل والشرب
وفيه مبحثان
? المبحث الأول: أقوال العلماء وأدلتهم
للفقهاء في حكم استعمال أواني الذهب والفضة في غير الأكل والشرب قولان:
القول الأول: قال جماهير الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والحنابلة وابن حزم كما أنه يحرم استعمال أواني الذهب والفضة في الأكل والشرب فكذلك يحرم على الرجال والنساء استعمالها في سائر الاستعمالات الأخرى؛ مثل الاكتحال والاستصباح؛ فيحرم استعمال مُكحلة أو مُدْهنة أو مُسعط ([77])، أو مبخرة؛ إذا احتوى عليها. وإذا لم يحتو عليها وجاءته الرائحة من بعيد فلا بأس، وينبغي أن يكون بعدها بحيث لا ينسب إليه أنه متطيب بها. أو محبرة ([78]) أو مرود* *أو مبولة أو إبرة أو خلال ([79])، أو كرسي أو سرير، ونحو ذلك من ذهب أو فضة، في
¥