سائر الاستعمالات ([80]). ومحل حرمة استعمال الذهب ما لم يصدأ، فإن صدأ بحيث يستر الصدأ جميع ظاهره وباطنه جاز ([81]). قال إمام الحرمين في المغشى ظاهره وداخله (الذي أراه القطع بجواز استعماله لأنه إناء نحاس أدرج فيه ذهب مستتر) ([82]).
ويستثني بعض الفقهاء من الحرمة ما دعت الضرورة إلى استعماله كمرود من فضة أو ذهب لجلاء العين ([83]).
أدلة الجمهور:
استدل الجمهور بعموم الأحاديث السابقة؛ وعدم وجود ما يخصصها.
وقالوا:نهى النبي e عن الأكل والشرب لأنهما أغلب الأفعال، فخرجا مخرج الغالب؛ فقيس غيرهما عليهما؛ ولأن غيرهما في معناهما؛ أي لأن الادهان مثلا من آنية الذهب أو الفضة في معنى الشرب منها؛ لأن كلا منهما استعمال لهما والمحرم هو الاستعمال؛ فالعلة الموجودة فيهما ([84])؛ وهي عين الذهب والفضة ([85])، أوهي مظنة السرف، أو تضييق النقدين في غير ما خلقا له، ومظنة الخيلاء والكبر لما في ذلك من امتهانهما ومظنة الفخر وكسر قلوب الفقراء موجودة في الاستعمالات الأخرى ([86]).
أدلة ابن حزم:
1ـ واستدل ابن حزم ([87]) بما رواه الإمام أحمد بسنده عن حذيفة قال نهى رسول الله e عن لبس الحرير والديباج وآنية الذهب والفضة، وقال هو لهم في الدنيا ولنا في الآخرة ([88]).
2ـ وبما رواه الإمام أحمد والبخاري والبيهقي عن البراء بن عازب قال أمرنا رسول الله بسبع ونهانا عن سبع: أمرنا بعيادة المريض، واتباع الجنائز، وإجابة الداعي، وإفشاء السلام، وتشميت العاطس، وإبرار القسم، ونصر المظلوم. ونهانا عن خواتيم الذهب، وآنية الفضة، والحرير، والديباج، والإستبرق، والمياثر الحمر والقسي ([89]).
قال ابن حزم: (هذان الخبران نهي عام عنهما جملة، فهما زائدان حكما وشرعا على الأخبار التي فيها النهي عن الشرب فقط أو الأكل فقط، والزيادة في الأصل لا يحل خلافها) ([90]).
ومع القول بحرمة استعمال آنية الذهب أو الفضة في جميع الاستعمالات، ومنها الطهارة؛ فإن جمهور الفقهاء الحنفية والمالكية والشافعية والمذهب عند الحنابلة يرون صحة الطهارة من آنية الذهب أو الفضة؛ وضوءا كانت أو غسلا أو غيرهما؛ مع الحرمة؛ لأن التحريم لا يرجع
إلى نفس العبادة، ولا إلى شرط من شرائط وجوبها وأدائها، فالإناء ليس شرطا للطهارة، فيعود النهي إلى خارج أشبه ما لو توضأ في أرض مغصوبة، أو صلى وفي يده خاتم ذهب ([91]). ومن أصول الحنفية أن النهي إذا كان لوصف مجاور للمنهي عنه أن النهي يكون لغيره؛ فيكون الوصف المجاور صحيحا ([92]).
قال الدسوقي) فلا يجوز فيه أكل، ولا شرب، ولا طبخ، ولا طهارة، وإن صحت الصلاة) ([93]).
وقال الحنابلة:وتصح الطهارة بها؛ بأن يغترف الماء بالآنية المذكورة. وتصح الطهارة فيها؛ بأن يتخذ إناء كمغطس أو مسبح من ذهب أو فضة، يسع قلتين ويغتسل أو يتوضأ فيه. وتصح الطهارة إليها؛ بأن يجعلها مصبا لفضل طهارته، فيقع فيها المنفصل عن العضو بعد غسله ([94]).
القول الثاني: وجه عند الحنابلة أنه لا تصح الطهارة من آنية الذهب والفضة؛ لأنه استعمل المحرم في العبادة، فلم يصح، كالصلاة في الدار المغصوبة. اختاره أبوبكر، والقاضي أبو الحسين، وشيخ الإسلام ابن تيمية. وصححه ابن عقيل. وهو قولٌ لابن حزم ([95]).
والراجح عندي قول الجمهور؛ وهو صحة الطهارة منها، وفيها، وبها، وإليها. (ويفارق هذا الصلاة في الدار المغصوبة؛ لأن أفعال الصلاة من القيام والقعود والركوع والسجود في الدار المغصوبة، محرم؛ لكونه تصرفا في ملك غيره بغير إذنه، وشغلا له، وأفعال الوضوء؛ من الغسل، والمسح، ليس بمحرم، إذ ليس هو استعمالا للإناء، ولا تصرفا فيه، وإنما يقع ذلك بعد رفع الماء من الإناء، وفصله عنه، فأشبه ما لو غرف بآنية الفضة في إناء غيره، ثم توضأ به ولأن المكان شرط للصلاة، إذ لا يمكن وجودها في غير مكان والإناء ليس بشرط) ([96]).
بعض المستثنيات:
¥