تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

استثنى الفقهاء بعض الأشياء من المنع فأجازوا استعمالها. وسأعرض في هذا المطلب لجملة مما استثنوه من الأواني. فقد استثنى الحنفية حلقة المرآة من الفضة. قال أبو حنيفة لا بأس بحلقة المرآة من الفضة إذا كانت المرآة حديدا وقال أبو يوسف: لا خير فيه ([97]). وعند الشافعية والحنابلة يحرم تحليتها ([98]).

ونقل الحصكفي وابن عابدين وقاضي زاده أن صاحب الدرر، من الحنفية يقول: إن المنع من استعمال أواني الذهب والفضة إذا استعملت ابتداء فيما صنعت له بحسب متعارف الناس، وإلا فلا كراهة؛ ففي الادهان أن يأخذ آنية الذهب والفضة ويصب الدهن على الرأس أما إذا أدخل يده فيها وأخذ الدهن ثم صبه على الرأس من اليد فلا يكره لانتفاء الابتداء ([99]).

وقد أجاب ابن عابدين رحمه الله عن هذا القول. فقال (إن ما ذكره في الدرر من إناطة الحرمة بالاستعمال فيما صنعت له عرفا فيه نظر فإنه يقتضي أنه لو شرب أو اغتسل بآنية الدهن أو الطعام انه لا يحرم، مع أن ذلك استعمال بلا شبهة داخل تحت إطلاق المتون والأدلة الواردة في ذلك والذي يظهر لي على وجه لا يرد عليه شيء مما مر أن يقال إن وضع الدهن أو الطعام مثلا في ذلك الإناء المحرم لا يجوز لأنه استعمال له قطعا ثم بعد وضعه إذا ترك فيه بلا انتفاع لزم إضاعة المال فلابد من تناوله منه ضرورة فإذا قصد المتناول نقله من ذلك الإناء إلى محل آخر لا على وجه الاستعمال بل ليستعمله من ذلك المحل الأخر كما إذا نقل الدهن إلى كفه ثم دهن به رأسه أو نقل الطعام إلى الخبز أو إلى إناء آخر واستعمله منه لا يسمى مستعملا آنية الفضة أو الذهب لا شرعا ولا عرفا بخلاف ما إذا تناول منه ابتداء على قصد الادهان أو الأكل فإنه استعمال سواء تناوله بيده أو بملعقة ونحوها فإنه كأخذ الكحل بالميل وسواء استعمله فيما صنع له عرفا أولا) ([100]).

وبالنسبة للشافعية حكى إمام الحرمين عن والده أبي محمد في المكحلة الصغيرة وظرف الغالية ترددا في جواز ذلك إذا كان من فضة. وأطلق الغزالي خلافا في استعمال الإناء الصغير كالمكحلة ولم يخصه بالفضة. وكلامه محمول على ما ذكره شيخه وهو التخصيص بالفضة. وحكى إمام الحرمين أن شيخه حكى فيه وجهين. وقال الإمام:والوجه القطع بالتحريم ([101]). وطريقة الخلاص من المعصية أن يصب الطعام أو الماء أو غيرهما في إناء آخر، ويستعمل المصبوب فيه ([102]). حكي أن فرقد السبخي، والحسن البصري، حضرا وليمة بالبصرة، فقدم إليهما طعام في إناء من فضة، فقبض فرقد يده عن الأكل منه، فأخذ الحسن الإناء وأكبه على الخوان وقال: كل الآن إن شئت ([103]).

القول الثاني: يحرم استعمال آنية الذهب والفضة في الأكل والشرب. ويحل استعمالها في الاستعمالات الأخرى. مع الكرهة وهو قول الشافعي في القديم ([104]). وقال الشوكاني؛ والشيخ محمد بن صالح العثيمين: يجوز استعمال أواني الذهب والفضة في سائر الاستعمالات بدون كراهة؛ ماعدا الشرب أو الأكل. وأجاز داود بن علي الظاهري الأكل فيها، وقصر الحرمة على الشرب فقط ([105]). وفي الإنصاف (وقيل لا يحرم استعمالها بل يكره) ([106]). قال المرداوي: وهو ضعيف جدا ([107]).

أدلة أصحاب القول الثاني:

استدل أصحاب القول الثاني بالأدلة التالية:

1ـ (النبي e نهى عن شيء مخصوص وهو الأكل والشرب، ولو كان المحرم غيرهما لكان النبي eوهو أبلغ الناس، و أبينهم في الكلام، لا يخص شيئا دون شيء. بل إن تخصيصه الأكل والشرب دليل على أن ما عداهما جائز، لأن الناس ينتفعون بهما في غير ذلك. ولو كانت حراما مطلقا لأمر النبي e بتكسيرها، كما كان لا يدع شيئا فيه تصاوير إلا كسره، لأنها إذا كانت محرمة في كل الحالات ما كان لبقائها فائدة) ([108]).

2ـ روى البخاري من حديث عثمان بن عبد الله بن وهب قال: (أرسلني أهلي إلى أم سلمة بقدح من ماء، وقبض إسرائيل ثلاث أصابع من قٌصةٍ فيها شعر من شعر النبي e وكان إذا أصاب الإنسان عينٌ أو شيءٌ بعث إليها مخضَبهُ فاطلعت في الجلجل فرأيت شعراتٍ حمرا) ([109]).

وفي الطبعة اليونينيت من صحيح البخاري (من قصة). وفيها: وفي رواية أبي زيد (من فضة) ([110]). و في صحيح البخاري مع شرحه عمدة القاري، وفي الطبعة المنيرية من فضة) ([111]).

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير