وأما ابن السكن (353هـ) فقد ساق من طريق سيف بيان صحبة القعقاع بن عمرو، ثم عقب ذلك بقوله: وسيف ضعيف. وقد اعتبر الحافظ ابن حجر قول ابن السكن هذا بمثابة رد على أبي حاتم، حيث ذكر إيراده لحديث صحبة القعقاع وقوله ببطلانه، مع تعليله ذلك بأن سيفاً متروك الحديث، ثم أتبعه الحافظ بما تقدم عن ابن السكن، وأقره، فلم يتعقبه بشيء، وسيأتي ما يؤيد هذا الإقرار من خلاصة قول الحافظ في حال سيف، إن شاء الله.
أما ابن حبان (ت 354) فقال: "اتهم بالزندقة، يروي الموضوعات عن الأثبات" ثم أتبع ذلك بروايته بسنده إلى ابن نمير انه قال: وكان سيف يضع الحديث، وكان قد اتهم بالزندقة، كما قدمت ذكره، وهنا يلاحظ الآتي:
أولاً: أن ابن حبان جزم بمثل ما رواه عن ابن نمير من الجزم بأن سيفاً اتهم بالزندقة، وسيأتي مناقشة ذلك.
ثانياً: أن ابن حبان لم يتفق مع ابن نمير في الجزم بوضعه الحديث، ولكن عبر بقوله: "يروي الموضوعات عن الأثبات" وهذه العبارة تفيد تهمة سيف فقط بتلك الموضوعات، لأن من رواها عنهم ثقات أثبات، فلا تحوم التهمة حولهم، وهناك فرق بين الإشارة إلى التهمة بالوضع، وبين التصريح بها، وبينهما أيضاً فرق وبين التصريح بنسبة الوضع إلى الراوي فذلك أشد منهما.
وعليه فما جاء في الضعفاء لابن الجوزي من أن ابن حبان قال في سيف: "إنه يضع الحديث" (الضعفاء لابن الجوزي 2/ 35) فهو مخالف لصريح كلامه السابق، بل إن ابن الجوزي نفسه نقل قول ابن حبان وروايته السابقة عن ابن نمير هكذا: "وقال ابن حبان: يروي الموضوعات عن الأثبات، قال: وقالوا: إنه كان يضع الحديث" (الموضوعات لابن الجوزي 2/ 274، كتاب الفضائل والمثالب). وهكذا ذكره المزي في التهذيب. (تهذيب الكمال للمزي 12/ 326).
فعبارة "وقالوا: إنه كان يضع الحديث" فيها إشارة واضحة إلى تبري ابن حبان من عهدة هذا القول، وإلقائها على صاحبه المروي عنه، وهو ابن نمير كما تقدم، مع أن ابن حبان صرح كثيراً خلال الكتاب بوصف كثيرين بالوضع، وبالكذب، كما هو معلوم، لكن لم يصرح بذلك بالنسبة لسيف.
ومع أن لفظ "قالوا" يفيد أن القائلين بوصف "سيف" بوضع الحديث، جماعة، فإن ابن حبان لم أجده ذكر في ترجمة "سيف" ولا في غيرها، حكاية هذا القول في سيف عن أحد آخر غير ابن نمير، ولم يوقفنا البحث حتى الآن على من جزم به غيره.
ثم إن ابن حبان لم يذكر عن ابن نمير، ولا عن غيره دليلاً على وضع سيف للحديث، ولم نجد أيضاً، بعد البحث، عند غير ابن حبان، دليلاً معتبراً على وضع سيف لأي حديث، وبالتالي تبرأ ساحته، سواء من وضع الحديث أو من الإشارة لاتهامه بذلك، كما في قول ابن حبان السابق: "إنه يروي الموضوعات عن الأثبات" أو من التصريح بتهمة الوضع كما سيأتي، وتبرأ ساحته كذلك من الوصف بالكذب في الرواية، أو الاتهام بذلك؛ لعدم توافر الدليل المعتبر على ذلك.
ولعل مما يؤيد هذا، أن ابن حبان نفسه لم يورد في ترجمة سيف شيئاً من حديثه مطلقاً، في حين أخرج في مقدمة كتابه "المجروحين" (المجروحين 1/ 66) من طريق عمار بن رجاء عن عبيد عن إسحاق حدثنا سيف بن عمر قال: كنا عند سعد بن طريف الأسكاف، فجاء ابنه يبكي، فقال: مالك؟ قال: ضربني المعلم، فقال: أما والله لأخزينهم: حدثني عكرمة عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: معلمو صبيانكم شراركم .. " الحديث.
وقد جعل هذا الحديث مثالاً لمن كان يضع الحديث عند الحوادث تحدث للملوك وغيرهم، في الوقت دون الوقت .. وبذلك أشار إلى أن عهدة وضع هذا الحديث على صاحب الحادثة المذكورة، وهو ليس سيفاً ولكن شيخه سعد الأسكاف. ثم عندما ترجم ابن حبان لسعد في موضعه من الكتاب أعاد الحديث في ترجمته وعلقه عنه، دون ذكر من دونه في الإسناد وهما: عبيد وسيف، فأشار بذلك لكون سعد هو علة الحديث، مع وصفه له أيضاً بأنه كان يضع الحديث على الفور.
(المجروحين 1/ 353)
وقد ترجم قبل سعد لسيف (المرجع السابق 1/ 341) فلم يذكر في ترجمته لا هذا الحديث ولا غيره، فلو كان لديه شيء من أحاديثه التي يرى آفاتها من جهته لذكر بعضاً منها، أو كرر الحديث نفسه، كما كرره في ترجمة سعد بن طريف.
ومن جاء بعد ابن حبان، وذكر هذا الحديث، وافق ابن حبان في جعل عهدة وضع الحديث راجعة إلى سعد بن طريف وحده.
¥