تم الاندماج مع الموقع الرسمي لمشروع المكتبة الشاملة وقد يتم الاستغناء عن هذا النطاق قريبا

فصول الكتاب

ووصف "الزندقة" هذا وصف به غير واحد من الرواة، وهو يفيد الطعن الشديد في عدالة الراوي من جهة دينه، ومن لوازمه الكذب، حيث يطلق على المنافق الذي يظهر الإسلام، ويبطن خلافه، وعلى من لا يؤمن بالآخرة، والربوبية، ووحدانية الخالق، والعياذ بالله.

(ينظر الزندقة والزنادقة. لعاطف شكري ص 107 وما بعدها).

ومن جاء عنه اتهام سيف بهذا، لم يقدم دليلاً عليه، لا من سلوكه، ولا من مروياته.

ولهذا علق فضيلة الدكتور نور الدين عتر، على تهمة سيف بالزندقة بقوله:

"وليس ثمة دليل على زندقته، بل الروايات تدل خلاف ذلك".

(حاشية المغني في الضعفاء للذهبي تحقيق الدكتور/ عتر 1/ 293).

وأيضاً فإن أحد من عاصر فتنة الزندقة في أشدها، وهو شريك بن عبد الله النخعي (ت 178هـ) قد وجه إليه وإلى شيخه الأعمش تهمة الزندقة، وذلك من الخليفة المهدي وغيره، فرد شريك على الخليفة المهدي بقوله: للزنديق علامات: بتركه الجماعات، وجلوسه مع القيان، وشربه الخمر.

(الكامل لابن عدي 4/ 1337).

وقال للمهدي أيضاً: أما قولك: إني زنديق، فإن للزنادقة علامة يعرفون بها.

قال: وما هي؟

قال: شرب الخمور، والضرب بالطنبور.

قال: صدقت يا أبا عبد الله. (تنظر وفيات الأعيان 2/ 467).

ورد شريك أيضاً على والي الكوفة "عيسى بن موسى" قائلاً: الزنديق يشرب الخمر وينكح حرم أبيه، ولم أفعل أنا شيئاً من ذلك، فكيف أكون زنديقاً؟ (أخبار القضاة لوكيع 3/ 162).

فما دام من اتهم سيفاً بالزندقة لم يذكر تلبسه بأي من علامتها هذه، فلا يعتد بقوله المجمل دون دليل.

وأما ابن عدي (ت 365هـ) فقد ذكر في ترجمة سيف قولي ابن معين السابق ذكرهما، ثم أخرج من طريقه حديث: "معلموا صبيانكم شراركم .. "

وبرأ سيفاً من عهدة وضعه كما قدمت، ثم أخرج بعد ذلك من طريقه أربعة أحاديث أخرى، وعقب عليها بقوله: ولسيف بن عمر أحاديث غير ما ذكرت، وبعض أحاديثه مشهورة، وعامتها منكرة، لم يتابع عليها، وهو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق. (ينظر الكامل 2/ 1272).

ويلاحظ أن كلام ابن عدي هذا يلتقي مع ما تقدم من كلام العقيلي، في جعل انتقاد سيف راجعاً إلى ضعف ضبطه فقط لمروياته الحديثية، بسبب عدم وجود متابعين له عليها.

لكن قول ابن عدي: إن عامة أحاديث سيف لم يتابع عليها، يخالف قول العقيلي: إن كثيرا من أحاديثه لم يتابع عليها، لأن عبارة العقيلي لا تمنع أن يكون له أيضاً أحاديث كثيرة، قد توبع عليها، بخلاف عبارة ابن عدي، وبذلك يختلف تقدير كل منهما لدرجة تضعيف ضبط سيف، وإن اتفقا في أصل السبب، وهو عدم وجود المتابع المنبئ عن خلل الضبط.

وفي قول ابن عدي: "هو إلى الضعف أقرب منه إلى الصدق" جعل مقابل الصدق هو الضعف، وليس الكذب، وبذلك لا يقال إن في عبارة ابن عدي اتهاماً لسيف بالكذب، ويؤيد هذا أمران:

أولهما: تقريره في نفس الترجمة براءة سيف من عهدة الحديث الموضوع الذي رواه من طريقه.

الثاني: تفسيره سبب ضعف مرويات سيف الحديثية عموماً بما يرجع إلى ضعف ضبطه فقط، كما قدمته.

أما الدار قطني (ت 385هـ) فإنه أورد سيفاً في كتابه الضعفاء والمتروكين. (الضعفاء والمتروكين للدار قطني ترجمة 283).

ولم نجد فيه وصفه بلفظ معين من ألفاظ التضعيف، لكن ابن الجوزي في الضعفاء له ذكر أن

الدارقطني قال في سيف "ضعيف" (الضعفاء لابن الجوزي 2/ 3). ومثله ذكر المزي في التهذيب

(تهذيب الكمال للمزي 12/ 326). وابن حجر في تهذيب التهذيب. (تهذيب التهذيب 4/ 296).

وذكر البرقاني أن الدار قطني قال في سيف: "كوفي متروك" (سؤالات البرقاني ترجمة 200).

وهذا وصف أشد من وصف "ضعيف" السابق، فيحتاج إلى ترجيح لأحد القولين عن الدار قطني.

وقد وجدته في كتاب واحد له وهو المؤتلف والمختلف، نقل عن سيف في أكثر من سبعين موضعاً

أغلبها روايات تاريخية، يرويها الدار قطني بسنده من طريقين إلى سيف، وصرح في عدد منها بأنها من كتاب الفتوح لسيف، وبعضها يدل موضوعه على أنه من كتاب "الردة" وإن لم يصرح الدار قطني بذلك. (ينظر فهرس الكتاب 5/ 2445، 2555).

وفي أحد المواضع نقل عن سيف، ثم اتبعها برواية مخالفة عن محمد بن إسحاق، وهو محتج به في المغازي على الراجح، وعقب الدار قطني عليها بقوله: وقول سيف أصح. (المؤتلف والمختلف1/ 463). وروى من طريقه أثراً عن علي رضي الله عنه في فضل أبي بكر وعمر، ولم يتعقبه بشيء

¥

تعرف على الموسوعة الشاملة للتفسير