نعم قد يكون عبد الرحمن أثبت من سعيد في مكحول فقط، لكن روايته هنا ليست عن مكحول ومما يزيد الأمر وضوحاً ويجليه أنهم عندما ذكروا أصح الأسانيد لم يذكروا عبد الرحمن بن يزيد بن جابر رحمه الله تعالى في هذا الباب، بل ذكروا سعيد بن عبد العزيز. قال الحافظ [النكت 1/ 260] عند الكلام على أصح أسانيد الشاميين: ((إن جماعة من أئمتهم رجحوا رواية سعيد بن عبد العزيز عن ربيعة بن يزيد عن أبي إدريس الخولاني عن أبي ذر)).اهـ.
أفبعد هذا تقول: عبد الرحمن أثبت من سعيد!!.
ومما سبق يعلم أن الوجه الثاني ذكره الألباني لبيان شذوذ الرواية التي فيها: ((في شهر رمضان)) وجه مردود والله أعلم.
ثالثاً: في الكلام على دليله الثالث:
قال الألباني: ((أن هشام بن سعد ... إلى قوله به)).
اعلم- علمني الله وإياك الحق وسلك بنا طريقه - أن هشام بن سعد مختلط الحديث كما قال ابن معين [التهذيب 11//40] وقد روى الحديث على وجهين:
عن عثمان بن حيان وإسماعيل بن عبيد الله عن أم الدرداء.
عن عثمان بن حيان فقط عن أم الدرداء.
والوجه الثاني وهو روايته عن عثمان فقط أرجح من الأول, لأنه قد رواه عنه ثلاثة وهم أبو عامر العقدي والقعنبي وهما ثقتان , وابن أبي فديك وهو صدوق بينما الوجه الأول لم يروه إلا حماد بن خالد وهو ثقة. ولذلك اختار مسلم الطريق الثاني الذي فيه عثمان بن حيان فقط وأودعه صحيحه ومنه يعلم أن هشاماً لم يتابع عبد الرحمان بن يزيد بن جابر في الرواية عن إسماعيل بن عبيد الله والله أعلم.
ولا يقال هنا إن حماد بن خالد ثقة وزيادته هنا لا تضر بل هي زيادة ثقة وزيادة الثقة مقبولة، لا يقال ذلك لأن هشاماً مختلط الحديث كما قال ابن معين, وروى الحديث بالوجهين, فاحتيج للترجيح, ومن حدث الحديث ثلاث مرات بطريقة واحدة لأرجح ممن حدث مرة واحدة بطريقة مخالفة والله أعلم. وقد أشار الإمام أحمد إلى هذا الاختلاف فقال: ((وقال أبو عامر: عثمان بن حيان وحده)).اهـ. المسند [6/ 444].
وإن سلمنا للألباني-تنزلاً- أن رواية حماد بن خالد عن هشام بن سعد عن عثمان بن حيان و إسماعيل بن عبيد الله مقبول غير مرجوح، فإن فيها هشام بن سعد قال عنه أحمد مرة:ليس بالحافظ، وقال أخرى: ليس هو محكم الحديث، وقال حرب: لم يرضه أحمد. وقال ابن معين: ضعيف، وقال مرة أخرى: ضعيف حديثه مختلط، و قال أبو حاتم: يكتب حديثه ولا يحتج به ,وقال النسائي: ضعيف, وقال مرة ليس بالقوي, وقال ابن سعد كان كثير الحديث, وذكره يعقوب بن سفيان في الضعفاء, وذكره بن عبد البر في باب من نسب إلى الضعف من يكتب حديثه, وضعفه ابن عدي وترك يحيى بن القطان الرواية عنه, وقال ابن أبي شيبة وابن المدني: صالح وليس بالقوي.
فإن قال قائل أنت تقول إن الأئمة-عدا أبي زرعة والعجلي-اتفقوا على تجريحه, فماذا تقول في قول ابن أبي شيبة وابن المديني: صالح وليس بالقوي؟.
الجواب عليه أن المقصود بالصلاح هو صلاح الدين أي العدالة, فدرجته عندهما من حيث الضبط هي ليس بالقوي. وقد صرح الحافظ في النكت على ابن الصلاح بذلك فقال [2/ 680]: ((عادتهم إذا أرادوا وصف الراوي بالصلاحية في الحديث قيدوا ذلك فقالوا: صالح الحديث، فإذا أطلقوا الصلاح فإنما يريدون به في الديانة.والله أعلم.)).اهـ. وقال أبو زرعة: محله الصدق،وقال العجلي: جائز الحديث حسن الحديث، وفي التقريب [2/ 319] قال الحافظ: صدوق له أوهام.
فأنت ترى أن أئمة الجرح والتعديل اتفقوا على تجريحه ما خلا أبا زرعة والعجلي، والثاني متساهل عند الألباني كما صرح مراراً-أنظر مثلاً إرواء الغليل [254،4/ 401]-وهو متأثر في هذا الزعم بأحد المعاصرين والعجلي ليس كذلك - أبو زرعة لم يوثقه بل قال:صدوق فقط. والألباني الذي يوثق هشاماً يرى أنه حسن الحديث على أحسن الأحوال كما في الإرواء [3/ 49].
إذا علمت هذا تبين لك قيمة قول الألباني: ((وهشام بن سعد ثقة حسن الحديث)). فليقل لنا من الذي اعتمد عليه في توثيق هشام بن سعد،وإذا كان وثقه فلماذا لا يصح حديثه كما هو شرط الثقة، بل ينزل به إلى ما دون الثقة ويقول: حسن الحديث؟!!
أما قوله: ((وقد احتج به مسلم كما يأتي))،فهذا أيضاً خطأ، فإن مسلماً رحمه الله لم يحتج به.
قال الحاكم: أخرج له مسلم في الشواهد [التهذيب11/ 41] وذكره الذهبي في الميزان [4/ 299] وارتضاه. ويظهر من هذا الحديث جلياً صحة دعوى الحاكم وموافقة الذهبي له.
¥