حديث جابر بن عبد الله رضي الله عنهما جاء بألفاظ مختلفة فمرة بلفظ: ((في شهر رمضان)) ومرة بلفظ ((في السفر))،ومرة بلفظ: ((في بعض أسفارنا))،ومرة بلفظ ((في بعض أسفاره))،ومرة بلفظ ((في بعض غزواته))،وكل هذه الألفاظ متقاربة غير متنافرة ولا اختلاف بينها. ذلك أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج مسافراً في شهر رمضان في عدة غزوات، فالاقتصار على أي لفظ من الألفاظ السابقة يؤدي المعنى.فيمكن أن يكون أصل الحديث أحد الألفاظ المذكورة، ثم روي بعد ذلك من بعض الرواة بالمعنى وهذا يحدث كثيراً جداً.
ولكن هناك إشكال ,على الألباني أن يحله, وحاصله أن الرواية التي فيها بعض غزواته رواها عن الوليد بن مسلم مؤمل بن الفضل وهي التي في سنن أبي داود [2/ 427]،ولم يروها عن الوليد إلا مؤمل المذكور، ولم يتابعه عليها أي راو، بل لم يتابع الوليد ولا شيخه ولا شيخ شيخه عليها. والمعروف أن الحديث رواه عن الوليد راويان:مؤمل وداود بن رشيد، وداود ثقة احتج به الشيخان، ومؤمل صدوق. فإذا حكم الألباني على رواية داود التي فيها: ((في شهر رمضان)) بالشذوذ، فإن هذا الحكم ينسحب على رواية مؤمل من باب أولى.فكيف يحل هذا الإشكال؟!.
ثم إنه أخطأ خطأً هنا بجانب حكمه بالشذوذ على رواية مسلم، وهو أنه اعتبر رواية مؤمل والتي فيها: ((في بعض غزواته)) متابعة لباقي الروايات فكيف يتأتى له ذلك، والسفر قد يخالف الغزوات لأنه ليس كل غزوة فيها سفر كما يعلم من السيرة الشريفة.
فصل
ويمكن تحديد هذا السفر التي كانت فيه الغزوة في شهر رمضان، وذلك بأن يقال إن ذلك عندما خرج إلى بني لحيان قريب عسفان، فإنه صلى الله عليه وسلم خرج في مائتي راكب من المسلمين وهو صائم، وهو صوام حتى بلغ إلى عسفان وبلغ كراع الغميم، فأفطر وأفطر المسلمون معه. ثقات ابن حبان [1/ 287].
فهذا السفر كان في غزوة بني لحيان وكان في شهر رمضان، ولعل رسول الله صلى الله عليه وسلم كان صائما في الرجوع ولم يصم معه إلا عبد الله بنى رواحة وذلك لشدة الحر.
ويمكن أن يكون ذلك السفر في غزوة بدر الكبرى، فإنها كانت في شهر رمضان، وإن استبعده الحافظ رحمه الله تعالى فقال [الفتح183]: ((ولا يصلح حمله أيضاً على بدر لأن أبا الدرداء لم يكن حينئذ أسلم)).اهـ.
قلت: يمكن حمله على يوم بدر والله تعالى أعلم بالصواب، ويكون معنى كلام أبي الدرداء ((خرجنا مع رسول الله صلى الله عليه وسلم ... )) الحديث، خرجنا أي المسلمين.
ونظيره قول الحافظ السيوطي في التدريب: استدل على أن التدليس غير حرام،بما أخرجه ابن عدي عن البراء قال: ((ولم يكن فينا فارس يوم بدر إلا المقداد)).قال ابن عساكر: قوله: ((فينا)) يعني المسلمين لأن البراء لم يشهد بدراً. اهـ. وانظر تدريب الراوي1/ 232.
وكان الحسن البصري يقول حدثنا وخطبنا ويذكر من لم يدركهم من الصحابة، ويعني قومه الذين حدثوا وخطبوا بالبصرة، صرح بذلك البزار وغير واحد على ما ذكره الحافظ الزيلعي في نصب الراية [1/ 90]،ونحوه في التهذيب [2/ 269].والله أعلم. وانظر أمثلة أخرى في نكت الحافظ على ابن الصلاح [2/ 626].
ـ[محمد الأمين]ــــــــ[29 - 01 - 03, 08:09 م]ـ
أخي عبد الله
لحظة لو سمحت قبل أن تكمل
في موضوع الكسوف كما لاحظت، اختلفت الروايات في مقدار الركوع في كل ركعة في الصلاة. اتفقوا على أن صلاة الكسوف ركعتين مثل الصلاة النافلة إلا أن الركوع فيها يكون أكثر. ففي الرواية المتفق عليها، ركعتين في كل ركعة. وفي رواية أخرجها مسلم في الشواهد هي أربعة ركعات. وفي رواية أخرى كذلك هي ستة ركعات.
وكل هذه الروايات تذكر أن ذلك الكسوف قد حصل مع موت إبراهيم ابن رسول الله صلى الله عليه وسلم. وكما تعرف إبراهيم مات مرة واحدة. أليس كذلك يا أخ عبد الله؟ ولم يكن لدى نبينا محمد عليه الصلاة والسلام إلا إبراهيم واحد. إذاً نحن نتحدث عن كسوف واحد وواقعة واحدة. وبالتالي فواحدة من هذه الروايات صحيحة، واثنتان فيهما شذوذ.
¥