وإذا رأيت قول ابن عدي في بشير، فاذكر كلام الحافظ السابق ذكره في ترجمة ثابت بن عجلان. أما قول ابن أبي حاتم الرازي: يكتب حديثه ولا يحتج به.فهذا من تشدده المعروف به،والذي نص عليه جماعة منهم الحافظ الذهبي في الموقظة () وفي ذكر من يعتمد قوله في الجرح والتعديل [ص159]، والحافظ ابن حجر كما نقله عنه السخاوي ().فالرجل وثقه من هو أقدم من أبي حاتم ومتشدد مثله وهو يحيى بن معين الذي يقول فيه الذهبي: ((فهذا إذا وثق شخصاً فعض على قوله بناجذيك وتمسك بتوثقيه)) ().اهـ.
ومع ابن معين مرجع آخر قوي العجلي , فإنه كوفي مثل بشير بن المهاجر, والرجل أعلم بأهل بلده وحديثهم ممن تأخر عنه ولم يكون كوفياً مثله. أضف إلي ذلك أن جرح أبي حاتم لبشير غير مفسر فهو مردود حسبما تقرر في قواعد الحديث والله أعلم.
فصل
جاء في التهذيب [1/ 469]: ((قال العقيلي: مرجىء متهم متكلم فيه)) لكن الذي في الضعفاء للعقيلي [1/ 144] نسبة هذا القول لأحمد , ولكن بلفظ كوفي مرجىء متهم يتكلم. وهذا لا يعتبر من الجرح في شيء حيث إن كون الراوي من أهل الكوفة لا يضره ولكنه يعتبر علامة على تشيعه , أو كونه مرجئاً وهذا لا دخل له في ضبط الراوي , وكذا التهمة بالكلام. ولم يفسر بأي شيء متهم , ولعل الكلام تصحف , ويكون أن أصله: كوفي مرجىء متهم بتكلم بالباء بدلا ًمن المثناة من أسفل والله أعلم.
ومما سبق يتبين أن حاصل كلامهم في بشير أنه ثقة يغرب , ولذلك قال الحافظ الذهبي في الكاشف: ثقة في حديث شيء , وقال في المغني: تابعي صدوق , وقال الحافظ في التقريب: صدوق لين الحديث.فحديثه يصحح أو يحسن ما لم يخالف.
وعليه فحديث بشير بن المهجر في صحيح مسلم مقبول غير معلول.ومما يوضح المقام ويجليه, ما قاله الذهبي -وهو من أهل الاستقراء التام في نقد الرجل () -في الموقظة: ((من أخرج له الشيخان أو حدهما على قسمين: أحدهما من احتجا به في الأصول , وثانيهما من خرج له متابعة واستشهادا ًواعتباراً. فمن احتجا به أو, أحدهما ولم يوثق ولم يمرض فهو ثقة حديثه قوي. ومن احتجا به أو أحدهما وتكلم فيه فتارة يكون تنعتاً والجمهور على توثيقه فهذا حديثه قوي أيضاً , ويكون تارة الكلام في حفظه فهذا حديث لا ينحط عن درجة الحسن الذي من أدنى درجات الصحيح , فما في الكتابين بحمد الله رجل احتج به أحدهما وروايته ضعيفة بل حسنة أو صحيحة)).اهـ.
فصل
وبعد ما تبين كلام أئمة الجرح والتعديل في بشير بن المهاجر فاعلم -أخي القارئ الكريم -أن الألباني قال ما نصه: ((تفرد به بشير بن المهاجر وهو لين الحديث كما في التقريب للحافظ ابن حجر)).اهـ
قلت: الذي ذكره الألباني هو بعض كلام الحافظ , لأن الحافظ قال في التقريب [1/ 103]: ((صدوق لين الحديث)) فاقتصر الألباني على الشطر الأخير الذي يدل على التجريح, ولم يذكر قول الحافظ: ((صدوق)) ,وهذا الفعل لا يليق أن يصدر من طالب في أي علم , فضلاً عن علم الحديث الذي قال فيه النووي رحمه الله تعالى: ((علم الحديث شريف , يناسب مكارم الأخلاق ومحسن الشم , وهو من علوم الآخرة 000)) إلخ.انظر التقريب [2/ 125].
فهل من مكارم الأخلاق ومحاسن الشيم شطر قول الحافظ في بشير بن المهاجر الذي يدل على توثيقه ثم يترك ما يدل على ضعفه؟.
فما دام الألباني يريد أن يضعف راوياً فلينظر في أقوال أئمة الجرح والتعديل- وهو مجرد عن أي دعوى يتخيلها -ثم يخرج بالنتيجة التي تقررها القواعد الحديثية ,أما أن يأتي إلى كلام الحافظ ويغيره أو يقتصر على بعض منه وهو ما يوافق دعواه، ثم يترك ما يخالف دعواه, فعمله هذا فضلاً عن كونه غيبة محرمة للتابعي بشير بن المهاجر, إخباراً بغير الواقع وافتئات على الحافظ بن حجر, والله المستعان.
ثانيا: إن الراوي إذا كان متكلماً فيه فحديثه يقوي ويصحح بالمتابعات والشواهد, وإنما يعدون في منكراته ما تفرد به فقط. وبشير بن المهاجر لم يتفرد بالحفر-كما ارتآه الألباني-ولكن جاء الحفر في عدة أحاديث تعتبر شواهد لرواية بشير بن المهاجر.
¥