هذه هي الجروح التي ذكرها الألباني في سويد بن سعيد وهي مردودة كلها - والحمد لله تعالى -على قواعد المحدثين بدون ابتداع ولا مين. ومن طالع كتب الرجال وجد أقوالاً أخرى في سويد بن سعيد مردودة صدرت من ابن حبان المعروف بتشدده في الجرح وجُرحه له بسبب حديث: ((من عشق فعف فكتم فمات مات شهيداً)) ظن انه تفرد به وليس كذلك فقد توبع على هذا الحديث كما في ((درء الضعف عن حديث من عشق فعف)) [ص 4، 5] وبسبب آخر هو اعتماده كلام ابن معين وقد مر ما فيه،وانظر ترجمة سويد بن سعيد في المجروحين [2/ 352] تجد صحة ما ذهبت إليه، والله أعلم.
وكلمات الذهبي والحافظ في تشدد ابن حبان تجدها في ثنايا الميزان ولسانه.
ومن الأقوال المردودة في سويد اتهام ابن عدي له بسرقة حديث تابعه عليه أكثر من واحد وهي دعوى بدون دليل، ويكفي في ردها قول ابن عدي نفسه [الكامل3/ 1256]: ((فهو إلى الضعف أقرب)).اهـ. وهي من أقل مراتب الجرح، فكيف يكون سارق الحديث إلى الضعف أقرب؟!.
فصل
ختم الألباني كلمه في سويد بن سعيد بقوله: قال الحافظ في التقريب: صدوق في نفسه إلا أنه عمي فصار يلقن ما ليس من حديثه، وأفحش فيه ابن معين القول.
والظاهر أن الألباني لم يدقق في عبارة الحافظ وإلا لما عقب عليه بقوله: فمثله لا تطمئن النفس للاحتجاج بخبره. وهذا استنتاج خاطئ.فإن كلام الحافظ يعني الآتي:
1 - أنه صدوق في نفسه.
2 - عمي فصار يلقن ما ليس من حديثه.
3 - رد كلام ابن معين فيه، لأنه صدوق كما ذكر أولاً، فهو دفاع عن سويد.
فمعنى كلام الحافظ على ذلك سويداً صدوق اختلط، فتطبق عليه القاعدة:ما حدث به قبل الاختلاط فمقبول،وأما بعده فبعضهم يقول غير مقبول إطلاقاً، والبعض يقول هو مقبول ما وافق الثقات.كما هو مبسوط في محله.
فالألباني رد حديث سويد مطلقاً ولم يذهب إلى هذا التفصيل الواجب اتباعه فخالف بذلك القواعد الحديثية.
فصل
فإن قيل سويد صدوق وعمي فصار يتلقن، فهل أخرج له مسلم بعد الاختلاط أو قبله؟
أجيب بأن مسلماً م تعالى وجزاه عن الإسلام والمسلمين خيراً روى عن سويد صحيح حديثه. فحديثه عند مسلم يحتمل على وجهين:
الأول: ما رواه عنه قبل اختلاطه، وهو صحيح ما طعن فيه بطعن مقبول.
قال الحافظ في التلخيص الحبير [2/ 268] عند الكلام على حديث ماء زمزم لما شرب له: ((كان أخذه-أي مسلم-عنه-أي سويد-قبل أن يعمى ويفسد حديثه،وكذلك أمرُ أحمد بن حنبل ابنه بالأخذ عنه كان قبل عماه، ولما عمي صار يلقن فيلتقن)).اهـ. وقال في طبقات المدلسين [ص50]: ((وقد تغير في آخر عمره بسبب العمى، فضعف بسبب ذلك، وكان سماع مسلم منه قبل ذلك في صحته)).اهـ.
الثاني: أخذه عنه بعد اختلاطه من أصول صحيحة، وقد صرح أبو زرعة بصحة أصوله بل كان أبو زرعة يكتب من أصوله بعد اختلاطه، قال أبو زرعة: ((أما كتبه فصحاح، وكنت أتتبع أصوله فأكتب منها)).اهـ. وقال الذهبي في تذكرة الحفاظ [2/ 455]: ((كان من أوعية العلم، ثم شاخ وأضر، ونقص له من أصوله المعتبرة)).اهـ.
والدليل على أنه خرج له من أصوله بعد اختلاطه أن إبراهيم بن أبي طالب قال: قلت لمسلم: كيف استجزت الرواية عن سويد في الصحيح؟ فقال: ومن أين كنت آتي بنسخة حفص بن ميسرة.
وفي التدريب [ص227]:سهر الراوي أو تلقينه لا يضره إذا حدث من أصل صحيح.
ومن هذا البيان تعرف دقة الإمام مسلم م تعالى وصيانة صحيحه من الضعيف ().
وبعد فمن يضعف حديث سويد بن سعيد في صحيح مسلم فقد خالف قواعد الحديث وأقوال المحدثين.
فصل
عاب المحدثون كتاب الضعفاء لابن الجوزي لأنه يذكر الجرح ويسكت عن التعديل. قال الحافظ الذهبي في ترجمة أبان بن يزيد العطار [1/ 16 الميزان]: ((وقد أورده العلامة أبو الفرج ابن الجوزي في الضعفاء، ولم يذكر فيه أقوال من وثقه، وهذا من عيوب كتابه، يسرد الجرح ويسكت عن التعديل)).اهـ.
وهذا هو الذي فعله الألباني تماماً وزاد عليه بأقوال النقاد التي تدل-لغير العارف-على الجرح المطلق، وزاد على ذلك أنه ذكره عارية من أسبابها.
¥